المطلب الثاني
الضمانات القانونية لتطبيق القواعد الدستورية
ينتج عن مبدأ سمو الدستور على القواعد القانونية الأخرى بمختلف مراتبها - سواء كانت تشريعاً عادياً صادرا من السلطة التشريعية أو تشريعا فرعياً صادراً عن السلطة التنفيذية - إن تعلو أحكام الدستور على كل أعمال السلطات في الدولة ، اعتباره المعبر الوحيد عن الإرادة الشعبية وتكون هذه الأعمال لاغيه وباطلة إذا ما خلقته.
ولكن السؤال هو من الذي يقرر ما إذا كانت تلك الأعمال الصادرة من السلطة التشريعية أو من السلطة التنفيذية تتناقض مع الدستور وما هي الإجراءات الواجب مراعاتها لضمان تطبيق القواعد الدستورية.
الفرع الاول: ( الرقابة على دستورية القوانين ) .
الدستور يقيد المشرع العادي في الحدود التي رسمها له ومن ثم تمنع السلطة التشريعية عن إصدار التشريعات التي تتعارض مع نصوص الدستور وفق ما يسمى بمبدأ دستورية القوانين . ولضمان التزام السلطة التشريعية بتلك الحدود من الضروري فرض الرقابة عليها.
والملاحظ إن الدساتير مختلفة في إتباع الطريقة التي تحقق بها تلك الرقابة وسلكت في هذا المجال سبل مختلفة أهمها ما يلي:
اولاً :-الطعن في دستورية القوانين أمام لجنة أو مجلس دستوري.
تباشر الرقابة على دستورية القوانين في بعض الأحيان من قبل هيئة أو لجنة ذات صيغة سياسية غير قضائية.
وقد انفردت فرنسا منذ أواخر القرن الثامن عشر في الدعوة إلى إيجاد هيئة سياسية يكون من اختصاصها إلغاء جميع القوانين التي تسن مخالفة لأحكام الدستور. ولم تعهد بهذه المهمة إلى القضاء بسبب السمعة السيئة له في ذلك الوقت (1)
وقد أخذت العديد من الدول عن فرنسا هذا النوع من الرقابة مع اختلاف بين دستور وآخر. فاخذ الاتحاد السوفيتي السابق بهذا الأسلوب في دستور عام1977 وجعل الرقابة من اختصاص السلطة التشريعية كما اخذ به دستور ألمانيا الديمقراطية في دستورها لعام 1949 و بلغاريا في دستورها لعام1947 والصين في دستورها لعام1954.
وقد أناط الدستور الفرنسي الحالي الصادر عام 1958 مهمة الرقابة إلى هيئة اسماها المجلس الدستوري تتكون من نوعين من الأعضاء : تسعة أعضاء يتم تعيينهم من قبل رئيس الجمهورية ورئيس الجمعية الوطنية ورئيس مجلس الشيوخ. كما يضم المجلس رؤساء الجمهورية السابقون للاستفادة من خبراتهم السياسية التي اكتسبوها من سني خدمتهم من ناحية أخرى. أما رئيس المجلس فيعين من بين أعضاء المجلس من قبل رئيس الجمهورية. (2)
ويتميز هذا النوع من انواع الرقابة على دستورية القوانين في انه يمارس رقابه وقائية على القوانين غير الدستورية وهي في مرحلة تشريعها قبل ان تصدر ، لكنه بالرغم من ذلك تعرض للانتقاد من حيث إن تحريكه يعود أما للسلطة التشريعية أو التنفيذية مما يقيم الرقابة على اعتبارات سياسية أكثر من إقامتها على اعتبارات قانونية وموضوعية(3) بحكم ان جهة الرقابة غالباً تتكون من هيئة يتم تعيينها أو اختيارها من إحدى هاتين السلطتين ولا شك إن الطابع السياسي يتدخل في هذا التعيين مما يفقدها الاستقلال والحياد الأمني في ممارسة دورها الرقابي.
ثانياً : الرقابة القضائية على دستورية القانون:
بموجب هذا النوع من الرقابة يمارس القضاء مهمة الفصل فيما إذا كان القانون دستوريا من عدمه ويتم ذلك في الغالب بإتباع طريقين هما:
1-رقابة الامتناع أو الدفع الفرعي:
ويتم ذلك بان يهمل القضاء القانون غير الدستوري ويمتنع عن تطبيقه في القضية المعروضة. وقد اتبعت هذه الطريقة من طرق الرقابة في الولايات المتحدة الأمريكية. وتتم من خلال نزاع قضائي يدفع فيه احد الخصوم بان القانون المراد تطبيقه عليه غير دستوري فتنظر المحكمة في هذا الدفع فإذا ثبت لديها انه مخالف للدستور امتنعت عن تطبيقه وإذا ظهر العكس استمرت في نظر النزاع.
ومن الجدير بالذكر انه ليس في الدستور الأمريكي نص صريح يرجح أو يقر مبدأ الرقابة القضائية على دستورية القوانين. لكن نص المادة السادسة من الدستور قد أكد إن (( هذا الدستور وقوانين الولايات المتحدة التي تصدر طبقا له.. تكون هي القانون الأعلى للبلاد، ويكون القضاة في جميع الولايات ملزمين به،ولا يعتد بأي نص في الدستور أو قوانين أية ولاية يكون مخالفا ًلذلك)). (4)
وقد ذهب الرأي الراجح في الفقه الدستوري الأمريكي إلى القول بان الرقابة على دستورية القوانين هي بطبيعتها من اختصاص السلطة القضائية بحكم إنها تمتلك ميزة البعد عن التأثير السياسي فضلا عن الخبرة(5)
مع إن البعض قد ذهب إلى إن إسناد هذه السلطة للقضاء فيه اعتداء على اختصاص السلطة التشريعية ويجعل منها سلطة سياسية أعلى من سلطة الأمة الممثلة ببرلمانها. (6)
ووفق هذا النوع من الرقابة وعندما تحكم إحدى المحاكم في دعوى أمامها بعدم دستورية قانون ما فإنها لا تلغي القانون وإنما تمتنع عن تطبيقه ويضل القانون سليما على الرغم من ذلك ويجوز لمحكمة أخرى إن تطبقه كما يصح إن تطبقه ذات المحكمة التي امتنعت عن تطبيقه في قضية أخرى إذ إن حجية الحكم بعدم الدستورية نسبية يقتصر أثرها على طرفي النزاع. ما لم يكن الحكم الصادر بعدم الدستورية صادرا من المحكمة الاتحادية العليا.
ويعد هذا الطريق الأسلوب الأكثر نجاحا في فرض الرقابة على دستورية القوانين في الدول التي تخلو دساتيرها من النص صراحة على حق القضاء في الرقابة على دستورية القوانين ، إذا ما دفع أمامه – أثناء نظر دعوى مرفوعة – بعدم دستورية قانون ما واجب التطبيق. ومن ذلك ما درج عليه القضاء المصري في ظل دستور عام 1956 ودستور عام 1958 رغم خلوهما من نصوص تنظيم الرقابة.(7)
2-الطعن في دستورية القوانين بطريق الدفع الأصلي أو رقابة الإلغاء.
يجيز هذا النوع من الرقابة لبعض المحاكم إلغاء القانون غير الدستوري وإنهاء العمل به وقد يكون هذا الحكم قبل صدور القانون فتسمى رقابة الإلغاء السابقة أو بعده فيسمى رقابة الإلغاء اللاحقة. وبسبب خطورة الأثر المترتب على هذا الحكم والمتمثل بإلغاء تشريعات البرلمان ، حرصت الدول على إن تمارسه محاكم دستورية عليا متخصصة أو أعلى درجات القضاء في الدولة ، كما لم تجز كثر منها للأفراد إن يطعنوا مباشرة في دستورية القوانين بينما أجاز بعضها ذلك بطريق غير مباشر بان يتقدموا بالطعن بعدم دستورية قانون ما أمام بعض المحاكم، فان اقتنعت هذه المحكمة بجدية الطعن تقدمت به إلى المحكمة الدستورية. (
ومن الدول التي أخذت بهذا الأسلوب من طرق الرقابة، العراق في ظل القانون الأساسي عام 1925 حيث أناط فحص دستورية القوانين بمحكمة عليا وجعل حق الطعن في دستورية القانون من اختصاص السلطة التنفيذية دون الأفراد.
وهذا الامر منتقد لأنه حرم المواطنين من ضمانة أساسية لكفالة احترام الدستور وما يتضمنه من حقوق وحريات.
كما اخذ الدستور الايطالي لعام 1947 بتشكيل محكمة دستورية من خمسة عشر قاضياً تمتلك سلطة إلغاء القانون غير الدستوري اعتباراً من تاريخ صدور الحكم.
واخذ به الدستور المصري الحالي الصادر في 11 سبتمبر 1971 بان جعل الرقابة على دستورية القوانين من اختصاص المحكمة الدستورية العليا بعد إن نبذ المشرع الدستوري نظام الرقابة السياسية على دستورية القوانين.
على انه بالرغم من مزايا الرقابة القضائية بطريق الدعوى المباشرة إلا إنها لم تسلم من النقد من جانب من الفقه باعتبار إنها تمثل خروجا على حدود مهمة القضاء وتؤدي إلى إقحامه في المجال التشريعي وإهداره لعمل السلطة التشريعية ، مما يعتبر مساسا بمبدأ الفصل بين السلطات. كما إن إعطاء المحكمة سلطة إلغاء القانون، يعطيها مركزا قويا ونفوذا كبيراً باتجاه سلطات الدولة الأخرى لاسيما السلطة التشريعية. (9)
المبحث الثاني
الرقابة على اعمال السلطة التنفيذية
مما لا شك فيه ان السلطة التنفيذية عندما تمارس وظيفتها قد تنتقص من حقوق وحريات الافراد خلافاً لما هو مقرر في الدستور . لذلك يجب ان لا تترك لها هذه السلطة دون ضابط يرسم الحدود التي لا تتجاوزها ويعرض تصرفاتها للبطلان .
ويفرض ذلك وجود ضمانات ووسائل تراقب عمل السلطة التنفيذية . وتختلف هذه الضمانات باختلاف الدولة والنظم القانونية المتبعة فيها . غير ان المستقر في اغلب الدول ان الضمانات القانونية في مواجهة السلطة التنفيذية تتمثل برقابة البرلمان لاعمال السلطة التنفيذية ورقابة القضاء وأخيراً رقابة الهيئات المستقلة .
المطلب الاول
رقابة البرلمان لاعمال السلطة التنفيذية
يتمثل هذا الطريق من الرقابة برقابة البرلمان على اعمال السلطة التنفيذية وذلك عن طريق الشكاوى المقدمة من الافراد والمتضمنة طلباتهم التي قد يجد البرلمان انها على قدر من الوجاهة مما يدعو الى مواجهة الوزراء بحق السؤال او الاستجواب او سحب الثقة من الوزارة كلها(10) .
ويتحدد شكل الرقابة بما هو مرسوم في الدستور . وهي تختلف من دولة الى اخرى وتكون الرقابة البرلمانية اقوى في النظم النيابية منها في النظم الاخرى ، حيث تكون الوزارة مسؤولة امام البرلمان مسؤولية تضمانية ناهيك عن المسؤولية الفردية لكل وزير عن اعمال وزارته .
وقد كفل الدستور العراقي لعام 2005 رقابة البرلمان على اعمال الحكومة احتراماً لمبدأ المشروعية عن طريق توجيه السؤال الى رئيس مجلس الوزراء والوزراء في أي موضوع يدخل في اختصاصهم ، كما يجوز لخمسة وعشرين عضواً في الاقل من مجلس النواب طرح موضوع عام للمناقشة لاستيضاح سياسة واداء مجلس الوزراء ، ولعضو مجلس النواب وبموافقة خمسة وعشرين عضواً ، توجيه استجواب الى رئيس مجلس الوزراء او الوزراء ، لمحاسبتهم في الشؤون التي تدخل في اختصاصهم .
وقد ورد في المادة 61/ ثامناً من الدستور ان لمجلس النواب سحب الثقة من احد الوزراء بالاغلبية المطلقة ، ويعد مستقيلاً من تاريخ قرار سحب الثقة ، كما يملك المجلس بناءً على طلب خمس اعضائه وبالاغلبية المطلقة لعدد اعضائه سحب الثقة من رئيس مجلس الوزراء بعد استجواب وجه له .
ومن جانبه تبنى الدستور الاردني الرقابة البرلمانيه على اعمال الحكومة عن طريق توجيه السؤال الى رئيس مجلس الوزراء والوزراء.
فقد ورد في المادة 96 من الدستور : لكل عضو من اعضاء مجلس الاعيان و النواب ان يوجه الى الوزراء اسئله واستجوابات حول اى امر من الامور العامه وفقا لما هو منصوص عليه في النظام الداخلي للمجلس الذي ينتمي اليه ذالك العضو ، ولا يناقش استجواب ما , قبل مضي ثمانة ايام على وصوله الى الوزير الا اذا كانت الحاله مستعجله ووافق الوزير على تقصير المده المذكوره ."
في حين ورد في الماده 53 منه :" 1- تطرح الثقه بالوزاره او باحد الوزراء امام مجلس النواب . 2- اذا قرر المجلس عدم الثقه بالوزاره بالاكثريه المطلقه من مجموع عدد اعضائه وجب عليها ان تستقيل .3- واذا كان قرار عدم الثقه خاصا باحد الوزراء وجب عليه اعتزال منصبه " .
لكن مع ما تتمتع به الرقابة البرلمانية على اعمال السلطة التنفيذية من اهمية في مجال احترام وسيادة القانون فان دورها مقيد غالباً بالارادة الحزبية السائدة في البرلمان التي تكون في احيان متوافقة مع ارادة الحكومة لو صادف انها من الحزب نفسه فتكون الحكومة الخصم والحكم(11) .
كما ان عدم نضج الوعي السياسي لدى اعضاء البرلمان وافتقارهم الى الخبرة وضعف المعارضة قد تؤدي الى ضعف هذه الضمانة ويختفي دورها الحقيقي في حماية حقوق الافراد وحرياتهم .
المطلب الثاني
رقابة القضاء على اعمال الادارة
تعد رقابة القضاء على اعمال السلطة التنفيذية ممثلة بالادارة واحدة من اهم عناصر الرقابة واكثرها ضماناً لحقوق الافراد وحرياتهم لما تتميز به الرقابة القضائية من استقلال وحياد . وما تتمتع به احكام القضاء من قوة وحجية يلتزم الجميع بتنفيذها واحترامها والا تعرض المخالف للمسائلة وما في ذلك من تبني لشرعية دولة القانون .
ومن المستقر وجود نوعين من نظم الرقابة القضائية على اعمال الادارة هما نظام القضاء الموحد ونظام القضاء المزدوج .
النوع الاول :نظام القضاء الموحد :
يسود هذا النظام في انكلترا والولايات المتحدة الامريكية وبعض الدول الاخرى ومقتضاه ان تختص جهة قضائية واحدة بالنظر في جميع المنازعات التي تنشأ بين الافراد انفسهم او بينهم وبين الادارة او بين الهيئات الادارية نفسها .
وهذا النظام يتميز بانه اكثر اتفاقاً مع مبدأ المشروعية اذ يخضع الافراد والادارة الى قضاء واحد وقانون واحد مما لا يمنح الادارة أي امتيازات في مواجهة الافراد(12) . بالاضافة الى اليسر في اجراءات التقاضي .
النوع الثاني :نظام القضاء المزدوج :
يقوم هذا النظام على اساس وجود جهتين قضائيتين مستقلتين جهة القضاء العادي وتختص بالفصل في المنازعات التي تنشأ بين الافراد او بينهم وبين الادارة عندما تتصرف كشخص من اشخاص القانون الخاص ويطبق على هذا النزاع احكام القانون الخاص . وجهة القضاء الاداري تختص بالفصل في المنازعات التي تنشأ بين الافراد والسلطات الادارية عندما تظهر بصفتها صاحبة السلطة وتتمتع بامتيازات لا يتمتع بها الافراد ويطبق القضاء الاداري على المنازعة قواعد القانون العام ، وتعد فرنسا مهد القضاء الاداري ومنها انتشر الى كثير من الدول كبلجيكا واليونان ومصر والعراق .
ومن المهم القول بان هذا النظام قد نشأ اساساً على مبدأ الفصل بين السلطات ومقتضاه منع القضاء العادي من النظر في المنازعات التي تكون الادارة طرفاً فيها احتراماً لاستقلال السلطة التنفيذية .
وقد اتسم القضاء الإداري بسرعة الفصل في المنازعات الادارية والبساطة في الاجراءات ضماناً لحسن المرافق العامة.
كما ان وجود قضاء متخصص يمارس الرقابة على اعمال السلطة التنفيذية يمثل ضمانة حقيقية لحقوق الافراد وحرياتهم في مواجهة تعسف الادارة ، وتتجلى اهمية وجود قضاء اداري متخصص للفصل في المنازعات الادارية في ان رقابة القضاء على اعمال الادارة تعتبر الجزاء الاكبر لمبدأ الشرعية والضمانة الفعالة لسلامة تطبيق القانون والتزام حدودة وبه تكتمل عناصر الدولة القانونية وحماية حقوق وحريات الافراد من جور وتعسف الادارة .
ومن الدول التي اتبعت اسلوب القضاء المزدوج الاردن والتي كانت في اول عهد تنظيمها القضائي تتخذ اسلوبا متميزا يتمثل في ازدواجية القانون ووحدة القضاء .
الا انها عدلت عن هذا التوجه بعد فصل محكمة العدل العليا عن محكمة التمييز بموجب القانون المؤقت رقم 11 لسنة 1989 حيث اصبحت الاردن من دول القضاء المزدج.
غير ان الاردن لازالل بحاجه الى دعم استقلال القضاء الاداري في الاردن وتفعيل دوره بالغاء الاستثناءات الواردة على ولاية محكمة العدل العليا في الغاء القرارات الادارية واعتبارها صاحبة الولاية العامة في نظر طلبات الافراد في الغاء القرارات الادارية لما في بقاء هذه الاستثناءات من تجاوز على مبدأ المشروعية وخضوع الادارة للقانون ، ويفتح المجال امام تعسفها وانتهاك حقوق الافراد وحرياتهم .
كما انه من الضروري ان يمنح المشرع الاردني للاداره سلطة الغاء احكام القوانين المؤقته المخالفه للدستور او الانظمه المخالفه للقانون او الدستور لامجرد تجميدها او وقف العمل باحكامها .
ويبرز دور القضاء الاداري عندما تتخذ الادارة مجموعة من الاجراءات والاوامر والقرارات بهدف المحافظة على النظام العام وقد تؤدي هذه الاجراءات الى فرض قيود على الحريات الفردية وحماية لمصلحة المجتمع .
مما يستدعي وضع حدود لاختصاصات الادارة في ممارستها لسلطات تقييد الحرية ويتم هذا من خلال الموازنة بين متطلبات النظام العام وضمان حقوق وحريات الافراد ، وقد درجت احكام القضاء الاداري على منح الادارة حرية واسعة في ممارسة سلطات ضبط او تقييد الحريات او كما يطلق عليها بسلطات الضبط الاداري ، غير انها اخضعتها في ذلك لرقابة القضاء الاداري من نواح عدة .
وفي هذا المجال نبين باختصار حدود سلطات الضبط الاداري في الاوقات العادية ثم نعرض لحدود هذه السلطة في الظروف الاستثنائية .
الفرع الاول : رقابة القضاء في الظروف العادية
تخضع سلطة الادارة في الظروف العادية لمبدأ المشروعية الذي يستدعي ان تكون الادارة خاضعة في جميع تصرفاتها للقانون ، وإلا كانت تصرفاتها وما تتخذه من قرارات باطلاً غير مشروعاً وتتمثل رقابة القضاء على سلطات الادارة في هذه الظروف فيما يلي :
أولاً :- الرقابة على الهدف .
يجب ان تتقيد الادارة بالهدف الذي من اجله قرر المشرع منحها هذه السلطات ، فليس للادارة تخطي هذا الهدف سواء كان عاماً ام خاصاً ، فاذا استخدمت سلطتها في تحقيق اغراض بعيدة عن حماية النظام العام . او سعت الى تحقيق مصلحة لا تدخل ضمن الاغراض التي قصدها المشرع فان ذلك يعد انحرافاً بالسلطة ويخضع قرار الادارة لرقابة القضاء المختص .
ثانياً : الرقابة على السبب .
يقصد بالسبب الظروف الخارجية التي دفعت الادارة الى التدخل واصدار قرارها ، ولا يعد تدخل الادارة مشروعاً إلا اذا كان مبنياً على اسباب صحيحة وجدية من شأنها ان تخل بالنظام العام بعناصره الثلاثة الامن العام والصحة العامة والسكينة العامة . وقد بسط القضاء الاداري رقابته على سبب القرار الضابط للحرية مثلما هو الحال في القرارات الادارية الاخرى وكما استقر عليه القضاء في فرنسا ومصر والاردن .
ثالثاً : الرقابة على الوسائل .
يجب ان تكون الوسائل التي استخدمتها الادارة مشروعة ، ومن القيود التي استقر القضاء على ضرورة اتباعها في استخدام الادارة لوسائل الضبط الاداري انه لا يجوز ان يترتب على استعمال هذه الوسائل تعطيل الحريات العامة بشكل مطلق لان ذلك يعد الغاء لهذه الحريات ، فالحفاظ على النظام العام لا يستلزم هذا الالغاء وانما يكتفي بتقييدها . ومن ثم يجب ان يكون الحظر نسبياً ، أي ان يكون قاصراً على زمان ومكان معينين . وعلى ذلك تكون القرارات الادارية التي تصدرها سلطة الضبط الاداري بمنع ممارسة نشاط عام منعاً عاماً ومطلقاً غير مشروعة.(13).
رابعاً :- رقابة الملائمة .
لا يكفي ان يكون قرار الضبط الاداري جائزاً قانوناً او انه صدر بناءً على اسباب جدية ، انما تتسع رقابة القضاء لبحث مدى اختيار الادارة الوسيلة الملائمة للتدخل ، فيجب ان لا تلجأ الى استخدام وسائل قاسية او لا تتلائم مع خطورة الظروف التي صدر فيها .
ومن الضروري ان نبين ان سلطة القضاء في الرقابة على الملائمة هي استثناء على القاعدة العامة في الرقابة على اعمال الادارة فالاصل هو استقلال الادارة في تقدير ملائمة قرارتها ، لكن بالنظر لخطورة قرارات الضبط على الحقوق والحريات فان القضاء يبسط رقابته على الملائمة .(14)
وفي هذا المجال لا يجوز مثلاً لرجال الامن ان يستخدموا اطلاق النار لتفريق تظاهرة في الوقت الذي كان استخدام الغاز المسيل للدموع او خراطيم المياه كافياً لتحقيق هذا الغرض .
الفرع الثاني :رقابة القضاء في الظروف الاستثنائية
قد تطرأ ظروف استثنائية تهدد سلامة الدولة كالحروب والكوارث الطبيعية ، وتجعلها عاجزة عن توفير وحماية النظام العام باستخدام القواعد والاجراءات السابق بيناها . وفي هذه الحالة لابد ان تتسع سلطات هيئات الضبط لمواجهة هذه الظروف من خلال تمكينها من اتخاذ اجراءات سريعة وحازمة لمواجهة الظرف الاستثنائي .
على ان الظرف الاستثنائي اياً كانت صورته حرباً او كوارث طبيعية لا يجعل الادارة في منأى من رقابة القضاء بشكل مطلق ، فلا يعدو ان يكون الامر توسعاً لقواعد المشروعية ، فالادارة تبقى مسؤولة في الظروف الاستثنائية على اساس الخطأ الذي وقع منها ، غير ان الخطأ في حالة الظروف الاستثنائية يقاس بميزان آخر غير ذلك الذي يقاس به الخطأ في الظروف العادية .
اولاً :- التنظيم القانوني لسلطة الضبط في الظروف الاستثنائية .
حيث ان نظام الظروف الاستثنائية من شأنه المساس المباشر بحقوق وحريات الافراد التي يكفلها الدستور ، فلابد ان يتدخل المشرع بتحديد ما اذا كان الظرف استثنائياً او لا ، ويتم ذلك باتباع اسلوبين :
الاول ان تصدر قوانين تنظم السلطات الإدارية في الظروف الاستثنائية بعد وقوعها ، ويتسم هذا الاسلوب بحماية حقوق الافراد وحرياتهم لانه يحرم السلطة التنفيذية من اللجوء الى سلطات الظروف الاستثنائية إلا بعد موافقة السلطة التشريعية ، ويعيبه ان هناك من الظروف الاستثنائية ما يقع بشكل مفاجئ لا يحتمل استصدار تلك التشريعات بالاجراءات الطويله المعتادة(15) ، بينما يتمخض الاسلوب الثاني عن وجود قوانين منظمة سلفاً لمعالجة الظروف الاستثنائية قبل قيامها ويرخص الدستور للسلطة التنفيذية باعلان حالة الظروف الاستثنائية والعمل بمقتضى هذا القانون .
ولا يخفي ما لهذا الاسلوب من عيوب تتمثل في احتمال اساءة الادارة سلطتها في اعلان حالة الظروف الاستثنائية في غير اوقاتها للاستفادة مما يمنحه لها المشرع من صلاحيات في تقيد الحريات الافراد وحقوقهم .
وقد اخذ المشرع الفرنسي بالاسلوب اذا منحت المادة السادسة عشرة من دستور الجمهورية الخامسة الصادر عام 1958 رئيس الجمهورية الفرنسية سلطات واسعة ، كذلك فعل المشرع الاردني في المواد 124 و125 من دستور عام 1952 فقد ورد في الماده 124 " اذا حدث مايستدعي الدفاع عن الوطن في حالة وقوع طواريء فيصدر قانون باسم قانون الدفاع تعطي بموجبه صلاحيه وقف قوانين الدوله العاديه لتامين الدفاع عن الوطن ويكون قانون الدفاع نافذ المفعول عندما يعلن عن ذالك باراده ملكيه تصدر بناء على قرار من مجلس الوزراء" .
ثانيا : الرقابة القضائية على سلطات الضبط في الظروف الاستثنائية .
يمارس القضاء الاداري دوراً مهماً في الرقابة على سلطات الادارة في الظروف الاستثنائية مع ان هذه السلطات تتسع بشكل كبير لمواجهة ما يهدد النظام العام وحسن سير المرافق العامة فقد وضع القضاء الاداري في فرنسا ومصر حدوداً لسلطات الضبط الاداري في ظل الظروف الاستثنائية ، حتى لا تتعسف الادارة في استعمال سلطاتها تلك او تنتهك حقوق وحريات الافراد(16) .
وفي هذا المجال لا يجوز ان تستخدم الادارة سلطاتها الاستثنائية دون ضابط ، كما ان التوسع في استخدام سلطات الضبط الاداري يجب ان يكون بالقدر اللازم لمواجهة خطورة الظرف الاستثنائي وان تتحدد ممارسة هذه السلطات بمدة الظرف الاستثنائي ولا يجوز ان تستمر فيه لمدة تزيد عن ذلك .
فالقاضي يراقب في هذه الظروف قرارات الادارة من حيث اسبابها والغاية التي ترمي اليها من اتخاذها ولا يتجاوز في رقابته الى العيوب الاخرى – الاختصاص والشكل والمحل – وهو ما استقر عليه القضاء الاداري في العديد من الدول(17) .
وعلى ذلك فان الظرف الاستثنائي ايا كانت صورته حرباً او كوارث طبيعية لا يجعل الادارة في منأى من رقابة القضاء بشكل مطلق ، فلا يعدو الامر ان يكون توسعاً لقواعد المشروعية . تأسيساً على مقولة "الضرورات تبيح المحضورات" .
ويمارس للقضاء الاداري دورا مهما في تحديد معالم نظرية الظروف الاستثنائية ، فان احكام القضاء الاداري في فرنسا ومصر قد قطعت شوطاً كبيراً في ذلك ، ووضعت شروط الاستفادة من هذه النظرية وبسطت الرقابة على الادارة في استخدام صلاحيتها الاستثنائية حماية لحقوق الافراد وحرياتهم وهذه الشروط هي :-
1- وجود ظرف استثنائي يهدد النظام العام وحسن سير المرافق العامة سواء تمثل هذا الظرف بقيام الحرب او اضطراب او كارثة طبيعية .
2- ان تعجز الادارة عن اداء وظيفتها باستخدام سلطتها في الظروف العادية فتلجأ لاستخدام سلطتها الاستثنائية التي توفرها هذه النظرية .
3- ان تحدد ممارسة السلطة الاستثنائية بمدة الظرف الاستثنائي فلا يجوز للادارة ان تستمر في الاستفادة من المشروعية الاستثنائية مدة تزيد على مدة الظرف الاستثنائي.(18)
4- ان يكون الاجراء المتخذ متوازناً مع خطورة الظرف الاستثنائي وفي حدود ما يقتضيه .
وللقضاء الاداري دور مهم في الرقابة على احترام الادارة لهذه الشروط وهو ما يميز هذه النظرية عن نظرية اعمال السيادة التي تعد خروجاً على مبدأ المشروعية ويمنع القضاء من الرقابة على الاعمال الصادرة استناداً اليها .
المطلب الثالث
رقابة الهيئات المستقلة لاعمال السلطة التنفيذية
استحدثت المتغيرات العالمية نظماًبديلة لتحقيق العدالة خارج النظام القضائي منها ما لا يفصل في النزاع كنظم الرقابة المستقلة ولجان التوفيق او الوساطة او حقوق الانسان ومنها ما يفصل في النزاع كما هو الحال في نظام التحكيم القائم على اتفاق الخصوم .
ويتماشى استحداث هذه النظم مع النتائج المترتبة على اتساع تدخل الدولة في نشاط الأفراد تحت شعارالحفاظ على النظام العام والمصلحة العامة والتي تشكل غاية العمل الاداري ومناطه والتي تدور حولها مشرعية وعدم مشروعية تصرفات الادارة .
وقد كان الامر ملحاً لاتخاذ مواقف معينة لكبح جماح الادارة وردها الى الطريق القويم اذا ما انحرفت في ممارستها لامتيازاتها في مواجهة الافراد . وعزز هذه الضرورة زيادة شعور الافراد بعدم كفاية الوسائل التقليدية في الرقابة على اعمال الادارة وحماية حقوق الافراد وحرياتهم من جهة وللعيوب التي تكتنف تلك الوسائل من تعقيد في اجراءاتها وبطئها وتكاليفها الباهضة من جهة اخرى .
ومن الوسائل البديلة والتي اثبتت نجاحها في ممارسة مهمة الرقابة نظام الامبودسمان او المفوض البرلماني الذي انتشر في الدول الاوربية الاسكندنافية ونظام الوسيط الفرنسي والادعاء العام الاشتراكي وغيره من النظم الاخرى والتي سنتطرق اليها ونعرض لنظامها القانوني .
الفرع الاول : نظام لامبودسمان Omboudsman او المفوض البرلماني
الامبودسمان كلمة سويدية يراد بها المفوض او الممثل . وهو شخص مكلف من البرلمان بمراقبة الادارة والحكومة وحماية الافراد وحرياتهم(19) .
وقد استحدثت السويد هذا النظام في دستورها لعام 1809 ليكون وسيلة لتحقيق التوازن بين الافراد بين سلطة البرلمان والسلطة التنفيذية وللحد من تعسف هذه الاخيرة في استخدامها لامتيازاتها في مواجهة الافراد ، ومن اسباب ظهور هذا النظام في السويد هو ما عانته من صراعات بين الملك والبرلمان في تلك الفترة ، فتارة ينتصر الملك فيستقل بالسلطة بلا منازع وتارة اخرى ينتصر البرلمان فتقيد سلطة الملك الى اقصى حدها ، وقد ادت هذه الفوضى الى ضرورة استحداث نظام يحقق التوازن بين هاتين السلطتين فكان هذا النظام ما اصطلح عليه بالامبودسمان والذي تطور حتى بات يطلق عليه اسم ( حامي المواطن) فهو الشخص الذي يلجأ اليه المواطن طالباً حمايته وتدخله اذا ما صادفته مشاكل او صعوبات مع الحكومة او الجهات الادارية(20) .
وبالنظر للنجاح منقطع النظير لهذا النظام فقد اخذت الكثير من الدول بانظمة مشابهة له ففي عام 1919 اخذت به فلندا ثم الدنمارك بمقتضى دستورها لعام 1953 وتم اول انتخاب للامبودسمان فيها عام 1955 ثم نيوزلندا بمقتضى قانون سنة 1962 ومارس العمل فيها عام 1963 ثم اخذت به المملكة المتحدة في قانونها لعام 1967 واخذت كندا بهذا النظام عام 1967 ايضاً .
وقد استحدثت فرنسا قانوناً مشابهاً لنظام الامبودسمان السويدي اسمه الوسيط Lemediatair لانه يتوسط بين البرلمان والحكومة او لانه وسطاً بين الرقابة البرلمانية والقضائية . وجاء انشاء هذا النظام نتيجة لمناقشات ودراسات مستفيضة جعلته بصورة خاصة لا تطابق النظم السابقة ، وان كان يتمتع ببعض اختصاصات الامبودسمان ونراه جديراً بالدراسة ايضاً(21).
اولاً : النظام القانوني للامبودسمان او المفوض البرلماني .
صدر القانون رقم 928 لعام 1967 في 29/9/1967 متضمناً القواعد القانونية والاختصاصات للامبودسمان والتي نصت على ان يتم انتخاب الامبودسمان والذي من الممكن ان يكون قاضياً او موظفاً او استاذاً في القانون لمدة اربع سنوات بواسطة 48 عضواً من اعضاء البرلمان 24 من كل مجلس(22) .
وقبل عام 1915 سار العمل على انتخاب امبودسمان واحد يسمى Justitue omboudsman يمارس جميع الاختصاصات الموكلة له فيما يتعلق بالرقابة الادارية والمحاكم والقوات المسلحة ، لكن بعد هذا التاريخ اصبحت المسائل المتعلقة بالقوات المسلحة من اختصاص امبودسمان آخر .
وبموجب قانون التعديل في 28/9/1986 الغي التقسيم الثنائي الى عسكري ومدني وادمج عملهم في مكتب واحد برئاسة ثلاثة موظفين يسمى كل منهم Justitue omboudsman اختص احدهم بما يتعلق بحماية حريات الافراد وما يتعلق بالسجون ومؤسسات الاطفال والمسنين وذوي العاهات اما الثاني فيتعلق نشاطه بالرقابة على اعمال القوات المسلحة والضرائب ، ويتعلق الثالث بالرقابة على اعمال المحاكم ورجال الشرطة والامن المحلي واعمال الادارة(23) . هذا ويقدم الامبودسمان تقريراً سنوياً الى البرلمان يتضمن ما قام به من اعمال خلال تلك السنة .
ثانياً : اختصاصات المفوض البرلماني .
تنص المادة 96 من دستور السويد لعام 1908 (( للمفوض حق اقامة الدعوى امام المحاكم المختصة ضد من ارتكبوا اعمالاً مخالفة للقانون بسبب التحيز او المحسوبية او أي سبب آخر او أهملوا في تأدية واجباتهم على النحو المطلوب)) . وعلى هذا الاساس يمارس الامبودسمان اختصاصه في ثلاث مجالات .
1- الرقابة الادارية .
للمفوض البرلماني الحق في التدخل من تلقاء نفسه او بناء على شكوى يتلقاها من الافراد ، او باي وسيلة اخرى يعلم من خلالها بوقوع مخالفة كحقه باجراء التفتيش الدوري على المؤسسات الادارية وله في سبيل ذلك الحق في الاطلاع على المستندات والملفات وله ان يحظر المناقشات والمداولات التي تعقدها الاجهزة الادارية كما يملك استدعاء أي موظف ويستجوبه فيما ينسب اليه ، وله اقامت الدعوى على الموظفين المقصرين في اداء واجباتهم ومطالبتهم بالتعويض لمن لحقه ضرر من جراء التصرف غير الشرعي للادارة(24) .
كما يتمتع بصلاحية توجيه الادارة الى وجوب اتباع اسلوب معين في عملها تتدارك فيه خطأها ولو لم يكن منصوص علية في القانون الا انه يرى فيه تطبيقا لمبادئ العدالة فيه وروح القانون وضمانا لمصلحا الفرد من جهة والمصلحة العامة ممثلة بالادارة من جهة اخرى .
واختصاص الامبودسمان السويدي في هذا المجال شاملاً الا فيما يتعلق باالملك فهو مصون اما الوزراء فينحصر اختصاصة في تحريك الدعوى بحقهم اما مسائلتهم فهي من شأن البرلمان كما يخرج عن اختصاصاته اعضاء البرلمان والمواطنين العاديين(25).
2- الرقابة على جهاز القضاء
يختص المفوض البرلماني وفقا للدستور بالرقابة على القضاء وتطبيقهم لوظائفهم ومسائلتهم عن اخطائهم التي يقعون بها اثناء تنفيذهم لاعمالهم فيما يخص تأخير حسم الدعاوى او عدم محافظتهم على المستندات والسجلات وسوء تنفيذهم للاحكام او اخلالهم بالسلوك الواجب اتباعه في الجلسة او خارج المحكمة، كما يسأل الامبودسمان القضاة عن الاحكام الصادرة خلافا للقانون اذا كان الاخلال بسوء نية او كان الخطأ جسيما وله في هذا السبيل الالتقاء بالمتهمين والتأكد من عدم مرور وقت طويل على توقيفهم قبل محاكمتهم وزيارة المحاكم ومكاتب الادعاء العام .
ومن الدول التي اخذت بالرقابة على القضاء وجعلته من ضمن اختصاصات المفوض البرلماني فنلندا والدنمارك اما فرنسا ونيوزلندا والنروج والمملكة المتحدة والكثير من الدول الاخرى التي تاخذ بهذا النظام فانها لا تجيز هذا النوع من الرقابة على اساس مبدأ الفصل بين السلطات واستقلال القضاء والتقاليد والمبادئ الدستورية التي تحمي هذا الجهاز المهم وترفض اي تاثير خارجي عليه . الااننا لانجد في ممارسة هذه الرقابة خروجا على مبدا استقلال القضاء ، فرقابة الامبودسمان لاتساهم في اصدار الاحكام ولا تغير في مضمون قناعة القاضي واستقلاليته في اصدار قراراته ، وغاية ما في الامر هو الاشراف على الجانب الاداري من عمل القاضي كمدة تأجيله للدعاوى وفترة حسمها وأسلوب إدارته للجلسات والتزامه بقواعد المرافعات .
الا اذا تعلق الامر بمخالفة جسيمة للقانون وفي هذه الحالة لا يشكل الأمر خرقا للاستقلال بقدر ما يحقق الصالح العام .
3- الرقابة على القوات المسلحة
يراقب المفوض البرلماني في السويد القوات المسلحة ويهدف من ذلك الرقابة على الادارة العسكرية وحماية حقوق منتسبي القوات المسلحة ، وله في ذلك مراقبة تنفيذ القوانين والانظمة المتعلقة بالجيش ومراقبة الادارة الاقتصادية العسكرية واجهزة الرقابة الداخلية العسكرية كما يتعرض لمختلف الاخطاء التي تخل بحسن ادارة مرفق الدفاع الوطني .
وهو في ذلك يتمتع به الامبودسمان المدني من حق تلقي الشكوى واجراء التفتيش الدوري ، وقد لاقى هذا الاختصاص الرقابي للامبودسمان على القوات المسلحة الترحيب من الكثير من الدول التي اخذت بهذا النظام فأخذت به فنلندا والدنمارك والنرويج ، بل اقتصر عمل الامبودسمان الالماني wehrbe faen ftrgg على الشؤون العسكرية .
بينما امتنعت بعض الدول عن الاخذ بالرقابة على الامور العسكرية وقصرت اختصاصات المفوض البرلماني على الادارة المدنية فيها ومنها المملكة المتحدة وفرنسا والهند وبعض الدول الاخرى .
ثالثاً: الاجراءات المتبعة في عمل المفوض البرلماني procedures a respecter
يتلقى المفوض البرلماني الموضوع المراد بحثه اما عن طريق شكوى مباشرة من الافراد ، ولا يشترط في هذه الحالة شكل معين لتلك الشكوى وتسلم الشكوى الى مكتب المفوض باليد او بالبريد وبدون اي رسم . ويتكون هذا المكتب من رئيس المكتب وستة رؤساء لاقسام المكتب ، قسمان للقضاء وقسمان للمسائل الحربية وقسم للمسائل الخدمة المدنية ،واربع نواب رؤساء الى جانب ستة من الموظفين وهؤلاء من رجال القانون والقضاء ويعاونهم خمسة عشر كاتبا وسكرتيرا.
وقد يصل موضوع العمل المراد بحثه الى علم الامبودسمان عن طريق الجولات التفتيشية التي يقوم بأجرائها دورياً الى مختلف الاجهزه الادارية والمحاكم والقوات المسلحة لتأكد من قيام العاملين فيها بواجباتهم على الوجه الصحيح ، وقد يعلم الامبودسمان بتلك المخالفات عن طريق الصحافة وما تنشره من معلومات يتحقق من صحتها ويمارس اختصاصه في مواجهة المقصرين . للتأكد من صحة الشكوى وصلاحية نظرها من قبله ، على عكس الامر في السويد وفنلندا والنرويج والكثير من الدول الاخرى التي اخذت بالنظام المفوض البرلماني والتي سمحت بالتصال المباشر بين الافراد والمفوض .
هذا ويملك الامبودسمان السويدي سلطة اتهام اي موظف او قاضي وتقديمه للمحاكمة اذا وجد انه ارتكب خطأ او خرقا يستوجب مسائلته بالإضافة إلى المقترحات والتوصيات التي يوجهها للإدارة .
اما الوسيلة الأكثر فعالية فهي التقرير السنوي المقدم الى البرلمان في بعض الدول ورئيس الجمهورية في بعض الدول الأخرى ، والذي يتعين نشره علناً ، وهو أمر ذو تأثير على الادارة اذ يجعلها موضع للمسائلة والاختبار فهو يؤثر على ثقة الافراد بالإدارة والتي يسعى الوزراء الى كسبها دائماً .
رابعاً: تقييم نظام المفوض البرلماني .
يتمتع هذا النظام بخصائص مهمة تميزه عن سائر وسائل الرقابة فهو على العكس الرقابة القضائية لا يتطلب اي رسوم او مصاريف كما يتمتع بصفة السرعة التي تفتقر اليها الرقابة القضائية بالإضافة الى عدم اشتراطه اي شكلية في تقديم الشكاوى اليه. فهو يراقب موضوع الملائمة في اصدار الادارة بقراراتها في مواجهة الأفراد ويستمد سلطته تلك من مبادئ العدالة والقيم العليا للمجتمع بالإضافة الى ما يتمتع به من اختصاصات مهمة في مجال السلطة التشريعية وإسهامه في اقتراح وتعديل التشريعات على وفق ما يلائم التطبيق السليم لها في المجتمع بأسلوب يحفظ حقوق وحريات الأفراد ويمنع المساس بها إلا بالقدر الذي يسمح به القانون تحقيق لصالح العام .
الا انه يؤخذ على هذا النظام انه ليس ملزما باتخاذ أجراء معين في الشكوى المرفوعة اليه كما انه لا يتمتع بسلطة إصدار قرارات ملزمه للإدارة وغاية الأمر انه يوجهها الى إتباع أسلوب معين في تعاملها مع الأفراد ومن خلاله يطلب تعديل او إلغاء قراراتها ، فسلطته أدبية في هذا الشأن .
الفرع الثاني : نظام الادعاء العام الاشتراكي المصري.
أخذت مصر بهذا النظام كأسلوب للرقابة على الجهاز الإداري فيها فقد نص الدستور المصري لعام 1971 في المادة 179 منه على ان ( يكون المدعي العام الاشتراكي مسؤول عن اتخاذ الإجراءات التي تكفل تأمين حقوق الشعب وسلامة المجتمع ونظامه السياسي والحفاظ على المكاسب الاشتراكية والتزام السلوك الاشتراكي ويحدد القانون الاختصاصات الأخرى ويكون خاضع لرقابة مجلس الشعب).
اولاً : اختصاصات المدعي العام الاشتراكي :
صدر القانون رقم 95 لسنة 1980 ليحدد اختصاصات المدعي العام الاشتراكي ومن الاختصاصات في هذا القانون ( حماية القيم السياسية للمجتمع وتطبيق المبادئ المقررة في الدستور والقانون والتي تهدف الى حماية حقوق الشعب وقيمه الدينية والمقومات الاقتصادية والاجتماعية والاخلاقية والحفاظ على الطابع الاصيل للاسرة المصرية ، وما يتمثل فيه من قيم وتقاليد حماية الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي ). كما نصت المادة 15 من القانون المذكور على ان يقدم المدعي العام الاشتراكي الى رئيس الجمهورية ومجلس الشعب تقريراً سنوياً عما قام به من اعمال ، وما اجراه من تحقيق وما اتخذ من اجراءات ، وله ان يشير في التقرير الى ما يراه من اقتراحات لحماية النظام السياسي بالدولة او لمعالجة اي ثغرات في القوانين او النظم الخاصة بحماية الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي .
كما يتولى المدعي العام الاشتراكي سلطة التحقيق والادعاء امام محكمة القيم بالنسبة للمسؤولية الناشئة من الانفعال المنصوص عليها في هذا القانون بناء على ما يصل الى عمله او بناء على ابلاغ احد المواطنين او احد ماموري الضبط .
كما يتمتع باختصاص التحقيق بالموضوعات التي تمس مصلحة عامة للمواطنين بناء على تكليف من رئيس الجمهورية او مجلس الشعب او بناء على طلب من رئيس الوزراء .
ويبدو ان هذا النظام يتمتع بالكثير من اختصاصات المفوض البرلماني فهو انشأ ليكون اداة للمحافظة على الحرية والمبادئ الأساسية التي يقدمها الأفراد دينياً وسياسياً واجتماعياً وتوجيه السلطة لما يساعد في سد الثغرات التشريعية في النظم القائمة لما فيه من حماية لحقوق وحريات المواطنين .
إلا إنه يختلف عن المفوض البرلماني في صبغته السياسية من خلال سعيه إلى تطبيق النظام السياسي في الدولة وضمانه لتنفيذ السياسة العامة لها ، ولا أدل على ذلك انه يعين بقرار من رئيس السلطة التنفيذية ، الأمر الذي قاد في النهاية إلى توسيع اختصاصاته ليكون أداة في يد النظام السياسي في مواجهة والأفراد بدلاً من ان يكون عوناً لهم لاسيما اختصاصه بإصدار قرارات المنع من التصرف والتداعي أمام محكمة الحراسة لغرض الحراسة والتحفظ على الأشخاص المفروضة عليهم . مما استدعى إعادة النظر في القانون رقم 95 لسنة 1980 الذي عرف بقانون حماية القيم والذي تم إلغائه وبالقانون رقم 221 لسنة 1994 .
وبصدور القرار بقانون رقم 221 لسنة 1994 لم يبق للمدعي الاشتراكي إلا ثلاثة اختصاصات هي :
1- الحراسة على الأموال : كان المدعي العام الاشتراكي يختص بالاستناد إلى القانون رقم 34 لسنة 1971 بأجراء التحقيقات المتعلقة بالأموال والتحفظ على الأشخاص إلا إن هذه المادة ألغيت وأصبحت الحراسة تلاحق المال فقط(26) .
2- التحقيق في تخلف او زوال شرط من شروط تأسيس الأحزاب وفقاً للمادة 17 من قانون الأحزاب رقم 40 لسنة 1977 .
3- التحقيق فيما يكلف به من موضوعات من رئيس الجمهورية أو مجلس الشعب او بناء على طلب من رئيس مجلس الوزراء وفقاً للقانون رقم 95 لسنة 1980 ولائحة مجلس الشعب .
ثانياً : الطبيعة القانونية لاختصاصات المدعي العام الاشتراكي .
أثارت مسألة تحديد الطبيعة القانونية لاختصاصات المدعي العام الاشتراكي في مصر اختلافاً في الفقه والقضاء ، فقد ذهب البعض الى ان هذا الجهاز جزء من السلطة القضائية في حين ذهب آخرون الى انه جزء من السلطة التنفيذية بينما ذهب البعض إلى انه جزء من السلطة التشريعية .
اعتمد الاتجاه الأول على أساس ممارسة المدعي العام جانباً من اختصاصات السلطة القضائية كالادعاء والتحقيق في الدعاوي التي تختص بها محكمة القيم وقد لاقى هذا الاتجاه بعض التأييد في أحكام القضاء(27).
غير ان هذا القول محل نظر من حيث ان المدعي العام الاشتراكي يتمتع بالكثير من الاختصاصات غير القضائية كما انه يختار من أعضاء السلطة القضائية مثلما يمكن أن يختار من غيرها . كما انه لا يتمتع بالضمانات التي يتمتع بها أعضاء السلطة القضائية فهو يعين ويعزل بقرار من مجلس الشعب وبناء على اقتراح من رئيس بالجمهورية(28).
من جهة أخرى لا يمكن اعتبار المدعي العام الاشتراكي جزء من السلطة التنفيذية بحكم خضوعه لمجلس الشعب على النحو الذي نظمه الدستور والقانون . مثلما لا يمكن اعتباره جزء من السلطة التشريعية لعدم ممارسته للوظيفة التشريعية .
ومن ذلك يتبين ان المدعي العام الاشتراكي جهاز يتمتع باختصاصات متنوعة منها ما هو ذي طبيعة قضائية ومنها ما هو ذو طبيعة سياسية ومنها ما هو ذو طبيعة إدارية ، وهو جهاز يتبع مجلس الشعب ويخضع له ولا يمكن القول باستقلاليته عنه مثلما لا يمكن القول باستقلاليته عن السلطة التنفيذية ومن ثم هو يقترب من نظام الامبودسمان السويدي.
الفرع الثالث : نظام الوسيط في فرنسا .
وفقاً لهذا النظام يعين وسيط الجمهورية Lemediateur de la Republique لمدة ست سنوات غير قابلة للتجديد بمرسوم من رئيس الجمهورية باقتراح وموافقة مجلس الوزراء ، وهو ما تنص عليه المادة الثانية من القانون وهو لا يستطيع ان يمارس مهامه التي حددها القانون إلا بعد حصوله على التدريب اللازم .
ولا يمكن عزل الوسيط خلال هذه المادة او إنهاء ممارسة أعمال وظيفته إلا عندنا يتعذر عليه القيام بواجباته الوظيفية ويترك أمر تقرير ذلك الى لجنة مكونة من نائب رئيس مجلس إدارة الدولة ورئيس محكمة النقض ورئيس ديوان الرقابة المالية ويتخذ القرار وبالإجماع .
ويتمتع الوسيط باستقلال تام فلا يتلقى اي تعليمات من اي سلطة ولا يمكن إلقاء القبض عليه او ملاحقته او توقيفه او حجزه بسبب أعمال وظيفته او الآراء التي يدلي بها(29).
اولاً : اختصاصات الوسيط .
تحدد المادة الأولى من القانون رقم 6 في 3/1/1973 اختصاصات وسيط الجمهورية في تلقي الشكاوى المقدمة من الأفراد ذوي العلاقة مع الإدارات الحكومية والمؤسسات العامة والمحلية وكافة المرافق التي تقدم الخدمات العامة .
بينما اجاز القانون الصادر في 6/2/1992 للأشخاص المعنوية كالشركات والنقابات والهيئات المحلية اللجوء الى الوسيط على ان يشترط في من يلجأ للوسيط سواء أكان شخصاً طبيعياً ام معنوياً ان يكون له مصلحة وفي ذلك يختلف نظام الوسيط الفرنسي عن نظام الامبودسمان السويدي .
كما يملك الوسيط تقديم التوجيهات المؤدية الى تحسين مستوى اداء الإدارة وتسهيل حل المواضيع محل النزاع وتوجيه الادارة الى اتباع أسلوب معين في العمل . ويحدد الوسيط مدة معينة تجيب الإدارة على هذا التوجيه فاذا امتنعت عن الإجابة او رفضت الرأي المقترح يرفع الوسيط تقريراً بذلك الى رئيس الجمهورية .
هذا وقد أوجب المشرع الفرنسي على الموظفين الإجابة على أسئلة واستفسارات الوسيط وله في ذلك ان يطلب من الوزراء تسليم المستندات والملفات التي تخص الموضوعات التي يبحثها ، ولا يجوز لهم الامتناع عن ذلك وان كانت الملفات سرية إلا إذا تعلق الامر بالدفاع الوطني او المصالح السياسية العليا للدولة(30) .
ويخرج من اختصاصات الوسيط على وفق نص المادة 8 من قانون عام 1973 اعمال الادارة المتعلقة بالمنازعات ذات الطابع الوظيفي بسبب إناطة الفصل بها الى مجلس الدولة وحسبه كفيلاً بتوفير الحماية اللازمة للموظفين .
ثانياً : الإجراءات المتبعة في عمل الوسيط .
من الجدير بالذكر أن المشرع الفرنسي استلزم تقديم تظلم إلى جهة الإدارة قبل تقديم الشكوى امام الوسيط للتخفيف عن كاهله ولإتاحة الفرصة للإدارة لتصحيح أخطائها ، كما ان تقديم الشكوى الى الوسيط لا يقطع المدة المحددة للطعن امام القضاء الإداري والمحددة بشهرين وعلى هذا الأساس لا مانع من تقديم الطعن امام القضاء في نفس الوقت الذي تقدم فيه الشكوى امام الوسيط .
فاذا تبين للوسيط صحة الشكوى او وجاهة الطلب فيها يقوم الوسيط بتقديم التوصيات او المقترحات الى الادارة المشكو منها ويبين ما يراه ضرورياً لتجاوز موضوع الشكوى ويقدم الحلول التي يراها ملائمة ، فاذا لم يتوصل الى جواب من الإدارة خلال المدة التي حددها للاجابة يمكنه عندئذ ان يعلن عن تلك التوصيات من خلال وسائل الإعلام او من خلال تقريره السنوي الذي يعلنه لرئيس الجمهورية والبرلمان ، وفي ذلك إحراج للإدارة ، بالإضافة إلى ذلك للوسيط ان يطلب احالة الموظف المقصر للقضاء المختص .
وعلى الرغم من ان الوسيط في فرنسا لا يستطيع أن يحل محل الإدارة في إزا