ا
قال سبحانه وتعالى في محكم كتابه
بسم الله الرحمن الرحيم
((ولقد خلقنا الإنسان سلالة من طين,ثم جعلناها نطفة في قرار مكين، ثم خلقنا النطفة علقة، فخلقنا العلقة مضغة، فخلقنا المضغة عظاما، فكسونا العظام لحما، ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين) سورة المؤمنون الآيات 12و13و14،15, 16
الحق في الحياة
المادة 6
1. الحق في الحياة حق ملازم لكل إنسان. وعلى القانون أن يحمى هذا الحق. ولا يجوز حرمان أحد من حياته تعسفا.
2. لا يجوز في البلدان التي لم تلغ عقوبة الإعدام، أن يحكم بهذه العقوبة إلا جزاء على أشد الجرائم خطورة وفقا للتشريع النافذ وقت ارتكاب الجريمة وغير المخالف لأحكام هذا العهد ولاتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها. ولا يجوز تطبيق هذه العقوبة إلا بمقتضى حكم نهائي صادر عن محكمة مختصة.
3. حين يكون الحرمان من الحياة جريمة من جرائم الإبادة الجماعية، يكون من المفهوم بداهة أنه ليس في هذه المادة أي نص يجيز لأية دولة طرف في هذا العهد أن تعفى نفسها على أية صورة من أي التزام يكون مترتبا عليها بمقتضى أحكام اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها.
4. لأي شخص حكم عليه بالإعدام حق التماس العفو الخاص أو إبدال العقوبة. ويجوز منح العفو العام أو العفو الخاص أو إبدال عقوبة الإعدام في جميع الحالات.
5. لا يجوز الحكم بعقوبة الإعدام على جرائم ارتكبها أشخاص دون الثامنة عشرة من العمر، ولا تنفيذ هذه العقوبة بالحوامل.
6. ليس في هذه المادة أي حكم يجوز التذرع به لتأخير أو منع إلغاء عقوبة الإعدام من قبل أية دولة طرف في هذا العهد.
طبقا للحقوق الأساسية الواردة في:
العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية
اعتمد وعرض للتوقيع والتصديق والانضمام بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 2200 ألف (د-21) المؤرخ في 16 كانون/ديسمبر1966 تاريخ بدء النفاذ: 23 آذار/مارس 1976، وفقا لأحكام المادة 49
المقدمة: -
الحق هو لغة هو الثابت غير القابل للإنكار وهو نقيض الباطل وحق الإنسان في الحياة هو أخطر الحقوق وأجلها وأقدسها في جميع الشرائع والحضارات والأعراف والقوانين والدساتير وهذا الحق ليس تعبيرا مجردا من دلالته التي تكسبه أهميه وخطورة بل يكتسب أهميته من تكريم الله سبحانه وتعالى للإنسان وتفضيله على كثير من مخلوقاته وأستخلفه في الأرض .والمستعرض لتاريخ الإنسانية الفكري يجد إن فكرة ((الحقوق الطبيعية)) من أولى الأفكار التي نادى بها الفلاسفة والمفكرون وهذه الفكرة هي التي أقرت للإنسان حقوقا طبيعية في مقدمتها الحق بالحياة لكونه الأساس الذي ترتكز عليه الحقوق الأخرى .
أن فاعلية الإنسان ونشاطه وحركته وبناؤه وأعماره للحياة إنما تكون بوجوده عنصرا فاعلا في الحياة فإذا انعدمت حياته انتهى كل شيء لذا كان الحق في الحياة من الحقوق التي لايجوز التهاون فيها أو التنازل عنها وقد تجسد في كثير من المواثيق وإعلانات حقوق الإنسان التي توجت بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1948 .
قد يرى البعض إن فكرة حقوق الإنسان هي نتاج الفكر الأوربي ووليدة ثوراته من الثورة الانكليزية إلى الثورة الفرنسية وهذا زعم غير دقيق لان الحضارة الحديثة مسبوقة بحضارات أقدم منها ناضل فيها الإنسان طويلا لإقرار حقوقه وتركت بصمات واضحة على التاريخ الإنساني غير هذه الثورات فالاهتمام بحقوق الإنسان بدأ قبل الإسلام عند الرومان والإغريق
والرومان والحضارة المسيحية إلا أنها كانت مجرد أفكار دعوات نادى بها الفلاسفة والمصلحون إزاء تسلط الملوك والحكام واستبدادهم بحقوق البشر وحرياتهم وسلبهم لحياة الناس بلا محاكمة ودون حق وهو مادعا إلى نضال أنساني طويل في سبيل التخلص من الطغيان والظلم والاستبداد وتأكيد حق الإنسان في الحياة الحرة الكريمة دون تهديد أو منة ولم تأخذ هذه الدعوات طابعها الرسمي الأ بعد القرن السابع عشر الميلادي.
ولكننا نجد أم الشريعة الإسلامية منذ القرن السابع الميلادي أقرت حقوق الإنسان وقدمت منهاجا شاملا ودقيقا لضمان حق الإنسان بالحياة التي هي منحة الخالق العظيم للبشر فبالتالي تعتبر مقدسة ولا يجوز العدوان عليها أو المساس بها ولم يقبل بموقف تفقد به الحياة إلا من اجل الحياة مثل موقفه من الشهداء حيث قال سبحانه وتعالى ((ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون))(سورة البقرة /الآية 154)
ومنه موقفه من القصاص ((ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب))(البقرة /179) ومنه أيضا موقفه من الجهاد الذي لم يشرع إلا من أجل الدفاع عن الحياة،قال سبحانه وتعالى ((يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله ورسوله أذا دعاكم لما يحييكم))(الأنفال/24)كما وفر الإسلام للإنسان جميع مستلزم حياته وحمايتها من الخلق وحتى وفاته وحرم أي تهديد للحياة
المبحث الأول: الأساس الديني والفكري لحق الإنسان في الحياة
أولا- الأساس الديني لحق الإنسان في الحياة : -
أهم ما يلحظ في الأساس الديني لحق الإنسان في الحياة هو أن حياة الإنسان هبة مقدسة من الله سبحانه وتعالى وأن الإنسان خليفة الله في الأرض، وأمتاز بتكريم ألهي لم ينله أي مخلوق آخر على الأرض. لقد شاءت قدرة الله سبحانه وتعالى أن يخلق الإنسان من تراب وينفخ فيه من روحه وفي القرآن الكريم الكثير من الآيات التي تؤكد خلق اله تعالى للإنسان ومنها قوله تعالى ((وإذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من صلصال من حمأ مسنون))(1) وقال جلت قدرته ((الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين))(2) . والى غير ذلك من الآيات الكريمة وكلها تدل على خلق الله سبحانه وتعالى للإنسان من تراب وصوره بشرا ونفخ فيه من روحه وأنعم عليه ووهبه الحياة لذا تعتبر حياة الإنسان في الشريعة الإسلامية مقدسة لأنها من روح الله التي نفخها في آدم عليه السلام وذريته من بعده وأن لحياة الإنسان حرمة كحرمة خالقها وكل فرد من بني آدم بناء بناه الله وسواه فليس من حق أحد سواه إن يهدم ما بناه وتعد حياة الإنسان والحفاظ عليها وصيانتها في طليعة الأهداف التي ينشدها الدين الإسلامي .أن الله جلت قدرته خلق الإنسان وأستخلفه على الأرض نيابة عنه ((ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون))(3) وقوله تعالى ((هو الذي جعلكم خلائف في الأرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم فيما آتاكم)) (4)وقوله جل شأنه ((هو أنشاكم من الأرض وأستعمركم فيها فاستغفروه ثم توبوا إليه))(5)وأمده بجميع مستلزمات نجاحه في مهمة الخلافة التي في المقدمة منها الحياة لأنها روح الإنسان ومحركه الأساس بأمر الله سبحانه وتعالى،فالإنسان عندما يفقد الحياة يتحول إلى جماد لاحركة فيه ولاشعور ثم يتحلل بعد فترة ويتحول إلى تراب, لذا يعتبر حق الحياة في الشريعة الإسلامية حقا مقدسا لايحق لأي شخص سلبه منه لأن الله سبحانه وتعالى
1- سورة الحجر آية (28)
2- سورة السجدة آية (7)
3- سورة الأعراف أية(129)
4- سورة الإنعام (آية (165)
5- سورة هود (الآية (61)
خلق الإنسان إلى أجل معين حدده هو جلت قدرته فلا يعلم الإنسان متى تنتهي حياته أو حياة غيره فلا يحق لأي إنسان مهما كان مركزه وقدرته أن يسلبه هذه المنحة الإلهية دون حق مشروع ((وأنّا لنحي ونميت ونحن الوارثون))(1), ومنحه حق الحياة لحكمة أرادها وهي جعله خليفة في الأرض لأعمارها ولم تزل تلك الخلافة قائمة إلى قيام الساعة،فالحق في الحياة هنا مستمد من أصل إيماني راسخ فالإنسان ليس مجرد كائن عابر بل هو ممثل عظيم لقيم عظيمة خلقها الله سبحانه وتعالى كرمها الله بخلقها بيديه وصورها بأحسن الصور ((صوركم فأحسن صوركم))(2), لأنه روح عاقلة خصها الله بنعمة الإدراك والعقل دون غيره من المخلوقات،وكرم الله جلت قدرته الإنسان وفضله على كثير من مخلوقاته فقد خلقه بيده وأمر الملائكة بالسجود له وميزه بالعلم والمعرفة فهو يمتلك عقلا وعلما وإدراكا ومعرفة لذلك لعمله قيمة ومعنى دون غيره من المخلوقات وانه مسئول عن نتائج أعماله،وسخر القادر كل ما في الكون بسمائه وأرضه ومياهه, وجميع المخلوقات لخدمة الإنسان ((ألم تروا أن الله سخر لكم مافي السموات وما في الأرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنه))(3) لينتفع ويستعمله حسبما تقتضيه مصلحته وهذه ميزة أخرى لتكريم الإنسان في الشريعة الإسلامية.وهذا يعني أن حكمة الله سبحانه وتعالى اقتضت إيجاد مخلوق عاقل يعبد الله ويسبح بحمده بعد أن يلمس أثار قدرته وعظيم صنع الله وقد بلغ الإسلام في تكريم الإنسان حدا لم تصله أي من الشرائع السماوية من قبله فجعل نظرة التقدير للإنسان من حيث هو إنسان مطلقا فقرر المساواة في القيمة الإنسانية ولم يكن تكريمه على أساس الدين أو اللون أو الجنس أو العرق أو الجاه أو الثروة ((وقد كرمنّا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات،وفضلناهم على كثير مما خلقنا تفضيلا)) (4) وهذه الآية تدل على تكريم جنس الإنسان عامة ولم تخص جماعة بعينها وأعتبر الناس سواسية بحسب خلقهم الأول ولا يوجد في نظر الإسلام تفاضل في إنسانيتهم لان الكرامة الإنسانية حق لكل بني آدم والتفاضل بينهم خارج عن نطاق الإنسانية ومتعلقة بتقوى الفرد لله, وتجنب نواهيه ومقدار ما يقدمه من عمل صالح متفق مع أوامر الله سبحانه ونواهيه .ويمتد تكريم الإسلام للإنسان إلى ما بعد انتهاء حياة الإنسان بموته حيث أمر بتغسيله وتكفينه وتشييعه بما يناسب كرامته الإنسانية والصلاة عليه إن كان مسلما ودفنه، والإسلام اعتبر جسد الإنسان مكرم بعد موته كتكريمه في حياته فأي تشويه أو تمثيل بجسد ميت هو اهانة لإنسانية هذا الجسد .كما رأينا حق الإنسان في الحياة،حقا مقدسا في الشريعة الإسلامية،ومستندا إلى على أساس ديني متين وأصيل مرتبط بلب العقيدة الإسلامية، لان الإنسان في نظر الشريعة عماد العالم وروحه ومتى أنعدم النوع الإنساني من خلال انعدام مجموعة من أفراده فأن العالم يعد ميتا لامحالة .
1- سورة الحجر الآية (23)
2- سورة التغابن الآية (3)
3- سورة لقمان الآية (20)
4- سورة الإسراء الآية (70)
ثانيا -الأساس الفكري لحق الإنسان في الحياة :-
1- فكرة النزوع الفطري لدى الإنسان لحفظ ذاته:-
من الثابت أن الله سبحانه وتعالى خلق في الإنسان نزوعا فطريا لحاجات معينة لاتستقيم حياته دونها وفي مقدمة هذه الحاجات نزوعه نحو حفظ ذاته وحرصه على بقاء حياته بالابتعاد عن كل ما يهدده بالخطر أو يعرضه للهلاك وإنهاء حياته،ويطلق عليها غريزة الحياة،والى بقاء النوع الإنساني من جهة أخرى، وهداه الله إلى ألتماس تلك الحاجات بما أودعه لديه من عقل وأدراك ومعرفة،لذلك قرروا إن للإنسان حقوقا طبيعية،تثبت بمجرد كونه أنسانا .وأطلق على هذا النزوع في علم النفس تسمية الغرائز التي تعتبر المحركات الأولى للسلوك ووصفت بأنها استعداد فطري لدى الكائن الحي تحمله على الإدراك والانتباه لكل الإخطار التي تحيط به مصحوبا بنوع من الانفعال والتأثر وقسمت الغرائز إلى كبرى كغريزة البحث عن طعام والغريزة الجنسية وغرائز صغرى كالحاجة إلى البكاء والضحك.ووجهت انتقادات إلى نظرية الغرائز* واستخدم العلماء المحدثين مصلح الدوافع، أو الحوافز, أو الميول,أو الحاجات فهي حاجات جسمية أو نفسية داخلية تدفع الكائن الحي تجاه أهداف معينه من شأنه أن يحرك استجابة ما،ومما تجدر الإشارة إليه أن الإنسان أدرك أن متطلبات حفظ ذاته هي أكبر من طاقته المحدودة التي لاتمكنه من العيش بمعزل عن الجماعة فالاجتماع الإنساني عند فلاسفة اليونان والمسلمين هو ضرورة طبيعية فالإنسان كائن اجتماعي بالطبع وهي تتمثل بضرورة الحصول على الغذاء لضمان بقاء الإنسان هداه إليها الله بقدرته وقدرة الفرد الواحد على تحصيل حاجته من الغذاء تتطلب تعاونا بينه وبين أبناء جنسه للحصول على قوتهم والضرورة الأخرى هي ضرورة دفاعية فالإنسان يحتاج إلى الدفاع عن نفسه إلى بني جنسه لمواجهة الحيوانات المتوحشة التي تمتلك قدرة تفوق قدرة الإنسان فبدون التعاون بين أبناء جنس الإنسان لايحصل الفرد على قوت وغذاء يؤمن بقائه على قيد الحياة ولا يتمكن من الدفاع عن نفسه بما يؤدي في النهاية إلى انتهاء النوع الإنساني فشعور الفرد بالحاجة للجماعة هو شعور فطري غرسه الخالق في ذات الإنسان آمنت له الإبقاء على حياته مما يؤدي بالنتيجة إلى حفظ النوع الإنساني (1)ومن أجل بقاء النوع الإنساني خلق الله سبحانه وتعالى في الإنسان غريزة الجنس التي تدفعه للتزاوج واستمرار الحياة وحرصه على أيجاد ذرية هو حاجة ذاتية فطرية وهي موجودة في كل البشر ولا تهدف إلى إشباع حاجته الجنسية فقط بل لهدف أسمى لتكوين أسرة ونزوع فطري لتخليد أسمه وتؤدي بالنتيجة إلى بقاء النوع الإنساني وأن هذا النزوع الإنساني الفطري لحفظ الذات شخصيا والى بقاء النوع الإنساني تمثل أحد الأسس الفكرية المهمة التي يرتكز عليها حقه في الحياة .
فكرة الحقوق الطبيعية :-
أن حق الإنسان في الحياة هو حق طبيعي يقره العقل السليم ولا يحتاج أقراره إلى أرادة المشرعين وهو حق أقرته الشرائع والأعراف والأديان ويعد فلاسفة اليونان من أوائل مروجي فكرة الحقوق الطبيعية ومضمونها (إن لجميع الناس بحكم أدميتهم حقوقا يستمدونها من طبيعتهم الإنسانية وأن هذه الحقوق فوق التشريعات المدونة ولا تمنح الدولة أو المجتمع المتمدن وإنما تقتصر مهمتها على الاعتراف بها وتقريرها, وهذه الحقوق لايمكن إلغاءها أو التنازل عنها تحت أي ظرف أو ضرورة اجتماعية وأن الإنسان يمتلك حقوقا تجاه الآخرين وتجاه جميع المخلوقات في الكون
1- انظر مقدمة أبن خلدون, عبد الرحمن الحضرمي, دار الشعب, القاهرة
2- انظر مجالات علم النفس مصطفى فهمي ص 12
, وأن كل حق منحه القانون الطبيعي للفرد يعد ملكا له استنادا إلى حق الله, وحق الله هو العدالة المطلقة, وفي مقدمة هذه الحقوق الطبيعية هو الحق بالحياة)
فكرة الحقوق الطبيعية مستقاة من الفلسفة اليونانية وقد مرت هذه الفكرة بمراحل تطورية تبعا لتطور الفلسفة ذاتها من مجرد تأمل فلسفي إلى إن القانون الطبيعي هو قانون الآلهة وإرادتها كما يعتقدون أي أنهم كانوا يميزون بين ماهو عادل بطبيعته وما هو كذلك بموجب التشريع الوضعي،أما الرومان فاخذوا بفكرة القانون الطبيعي من اليونان ويصفونه بأنه قانون أخلاقي متأصل في الإنسان بفعل العقل الفطري وهو قانون ثابت عند كل الأمم وعلى مر الأزمان ومن عصاه فقد أنكر نفسه وطبيعته .(2)
استمرت فكرة القانون الطبيعي بالتطور وازدهرت في نهاية القرن الثامن عشر نتيجة لانتعاش الأفكار الإنسانية وظهور الاكتشافات العلمية المبنية على الدقة العلمية ودراسة الطبيعة وقوانينها وسيطرت مدرسة القانون الطبيعي على جميع اتجاهات الفكر الإنساني في حينها (3) .ولكن مع ظهور مدارس فكرية أخرى كالوضعية والتاريخية أنكروا فكرة القانون الطبيعي الثابت في كل زمان ومكان وإنما هو كائن ينشأ بنشأة المجتمع ليستجيب لحاجاته ويسايره في تطوره لذا فهو يختلف ويتغير بتغير الأزمان والمكان والحاجات لكل مجتمع (4) القانون الطبيعي قام بثلاث مهام رئيسية وأساسية خلال مراحل تطوره وهي :-
1-التعبير عن كرامة الإنسان وسلطته لكونه الكائن الوحيد المزود بالعقل والمشارك في الكون فعليا وفكريا.
2- أنه شكل الأكثر عمقا للأخلاقيات والاجتماعيات في نظام الكون, بسبب الالتزام بمبادئه روحي راجع للضمير الإنساني.
3-بما أنه يمثل القانون العادل الذي مصدره الإله فأنه يعد المقياس الذي ينبغي أن تحاكم أسس المؤسسات الاجتماعية والسياسية بالرجوع إليه في أطار حضاري وهو رغبة بالحكمة الإلهية والحكمة الإنسانية.
أن سبب انبثاق فكرة الحقوق الطبيعية هو ما كان يعانيه الإنسان من امتهان لكرامته، وانتهاك لحقه في الحياة وخضوع مطلق للحكام ورغباتهم, أن الحق في الحياة يأتي في مقدمة الحقوق الطبيعية بل هو أساسها ومرتكزها ويعد مفتاحا للحقوق الإنسانية الأخرى فلا جدوى من حق العمل والسكن والحرية أذا لم يعترف بحقه أولا في الحياة وإتاحة الفرصة له للتمتع بهذا الحق ثم بقية الحقوق .
لقد كان ولازال الحق في الحياة حق طبيعي للإنسان بحكم آدميته وإنسانيته وان الله منحه له وبالتالي هو حق مقدس لايحق لأحد سلبه منه في كل الأحوال .أما أصحاب المذهب الاشتراكي أعلن رواده وأنصاره أن هدفهم المساواة الحقيقية بين البشر وان حق الإنسان بالحياة حق طبيعي ثابت معترف به ومصان .
وبقي الحق في الحياة حق طبيعي مقدس وثابت للإنسان سواء في المذهبين الفردي أو الاشتراكي لان الخلاف بينهما منصب على قضايا سياسية واقتصادية, ولأن الإنسان لايمكنه إن يساهم في الحياة السياسية والاقتصادية ألا بعد الاعتراف بحقه في الحياة وصيانته .
1-الفرد والدولة،جاك مارتان،ترجمة عبد الله أمين، منشورات در مكتبة الحياة –بيروت 1962 ص 106-107
2- أصول تاريخ القانون،عمر ممدوح .مؤسسة المطبوعات الحديثة،1960 الإسكندرية ص 111
3- القانون الطبيعي، د ملحم قربان،ص71-72
4-تاريخ الفلسفة الحديثة . يوسف كرم،ط4،مطابع دار المعرفة،مصر – 1966 ص 316
المبحث الثاني: بدء الحياة وانتهائها وآثار حق الإنسان في الحياة
بدء حياة الإنسان:-
بدء حياة الإنسان هو بولادته الطبيعية حيا وأتفق فقهاء الشريعة الإسلامية (1)على إن الإنسان أنفصل كله عن أمه حيا, حياة مستقرة فقد بدأت حياته على أن تكون متيقنة وأن يتحرك حركات الإحياء كأن يعطس أو يتثاءب وتبدأ شخصيته القانونية.ولا يختلف فقهاء القانون الوضعي, بشأن بدء حياة الإنسان عما قرره فقهاء الشريعة الإسلامية حيث قرروا إن الشخصية القانونية للإنسان التي يستحق بها الحقوق التي اعترف بها القانون كافة تبدأ بتمام ولادته وانفصاله كليا عن أمه وهو حي.وقد أخذ المشرع العراقي بما ذهب إليه جمهور الفقهاء في المادة (34) من القانون المدني على ما يلي (تبدأ شخصية الإنسان بتمام ولادته حيا, وتنتهي بموته).
ومن رحمة الله سبحانه وتعالى بعباده خلقه إياهم ورعايته مصالحهم مذ كانوا أجنه في بطون أمهاتهم فجعل لهم أهلية وجوب لأجل الحفاظ على مصالحهم وحقوقهم وبمقتضى قانون الأحوال الشخصية العراقي للجنين شخصية عامة يترتب بمقتضاها بعض الحقوق له، والحقوق المعترف للجنين بها في الشريعة الإسلامية والقانون، وهي حقه في النسب والميراث،والوصية والوقف وتبقى هذه الحقوق موقوفة لحين ولادته حيا .
انتهاء حياة الإنسان:-
حياة الإنسان تنتهي بالموت وهو الانتهاء الطبيعي لها بتوقف الوظائف الحيوية النهائي الذي يؤول إلى تداعي الجسم الطبيعي والذي يعقبه انحلال مركبات الجسم(2) . ألا إنها قد تنتهي حكما بقرار القاضي بموته بعد انقضاء مدة معينة كما هو الحال في الغائب المفقود الذي لاتعرف حياته من موته وقد انقطعت أخباره بعد التحري بكافة الطرق الممكنة للوصول إلى معرفة ما إذا كان حيا أم ميتا قبل أن يحكم بموته المادة (94)قانون رعاية القاصرين، وقد أقر الأطباء أن الحياة تنتهي أيضا بتوقف أهم عضو في جسم الإنسان وهو الدماغ أو القلـب أو الجهاز التنفسي، وأطلقوا على هذا الموت (الموت الوظيفي) .
آثار حق الإنسان في الحياة :-
حق الإنسان في الحياة ليس مجرد فكرة بل لهذا الحق آثار رتبتها الشريعة الإسلامية والقوانين والدساتير والمعاهدات والاتفاقات الدولية وتتجلى أهم هذه الآثار بحفظ النفس الإنسانية التي هي ضرورة شرعية تعارفت عليها الأديان والشرائع السماوية.
أن لحفظ النفس في الشريعة والقانون مظاهر تبدأ من العناية بالجنين, وفي تناول الطعام والشراب الحلال والرخص لتأمين الحياة والاعتناء بالصحة.
العناية بحفظ حياة الجنين :- تعنى الشريعة الإسلامية بحفظ حياة الإنسان منذ مراحله الأولى لتكوينه في بطن أمه ورخص للحامل في العبادات الشرعية وتعامل معاملة المريض فيجوز لها الإفطار خوفا على حياة الجنين، وحرصا على حياة الجنين أوجبت الشريعة الإسلامية تأخير القصاص عن المرأة الحامل أذا ما اقترفت جريمة تستوجب القصاص في النفس
ـــــــــــــــــــ
1- شرائع الإسلام،للمحقق الحلي،تحقيق عبد الحسين محمد علي،مطبعه الآداب،النجف 1969
2- الطب العدلي،دكتور أحمد عزت ص80
كالقتل, أو في الإطراف كالسرقة إلى أن تضع حملها خوفا من ألحاق الأذى بالجنين دون أن يكون له دخل في الجناية, بل بعضهم ذهب بعيدا بتأجيل القصاص إلى حولين كاملين لحين فطامه أذا لم تتوفر من ترضعه بدلا من أمـه,انطلاقا من قاعدة (رفع الضرر)ومن مظاهر حرص الإسلام على حفظ حياة الجنين حقه المحفوظ في الميراث والوصية والوقف قبل إن ينفصل عن جسد أمه وقد حرصت المواثيق الدولية على حفظ حياة الجنين مثاله الاتفاقية الخاصة بحماية الأمومة عام 1952 والتي تضمنت مادتها السابعة عشر ألزام كافة الدول الموقعة عليها بمراعاة المرأة الحامل وأوجبت كذلك رعايتها صحيا حفظا لحياة الجنين .
أما الدستور العراقي الصادر قبل الاحتلال فقد نص في المادة (11) منه ((الأسرة نواة المجتمع،تكفل الدولة حمايتها ودعمها،وترعى الأمومة والطفولة))وقد صدرت من مجلس قيادة الثورة في حينه الكثير من القرارات باعتباره أعلى سلطة تشريعية في العراق التي تؤكد رعاية المرأة الحامل حفاظا على حياة وسلامة الجنين وأنشأت الدولة الكثير من المراكز الصحية لتقديم الرعاية الطبية المجانية للنساء الحوامل
أما الدستور الحالي الذي وضع بأشراف سلطة الاحتلال فقد نص في المادة (29) منه (الأسرة أساس المجتمع وتحافظ الدولة على كيانها وقيمها الدينية والأخلاقية والوطنية)
ولكنها على الصعيد العملي لم تقدم أي خدمات صحية تذكر وتراجعت الخدمات الصحية المقدمة للحوامل بل وجرى الاقتصاص من النساء الحوامل وتعذيبهن وقتلهن واغتصابهن
رعاية الأطفال والعناية بهم:-اهتمت الشريعة الإسلامية بالأجنة وهم في بطون أمهاتهم كما رأينا وكذلك اهتمت برعاية الأطفال منذ لحظة ولادتهم إلى حين بلوغهم الأشد وقوة الساعد ولم تفرق بينهم،ولما كانت الوسيلة المهمة لحفظ حياة الأطفال هي الغذاء عن طريق الرضاعة أوجبت له حق الرضاع على أمه خوفا عليه من الهلاك, وهي مسؤولية أخروية على الأم بموجب الآية القرآنية (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين)(1)
فرضاعة الطفل هو واجب ديني على أمه, أما أذا امتنعت عن الرضاعة مع قدرتها كانت مسئولة إمام الله.وشملت رعاية الإسلام الأطفال اللقطاء الذين أوجبت التقاطهم ورعايتهم وحفظ حياتهم والإنفاق على تربيتهم ولا يجوز نبذهم لان تركهم حرام ابتداء وانتهاء. وقد قرر فقهاء الشريعة الإسلامية أن اللقيط أن وجد معه مال أنفق عليه منه إما أذا لم يوجد وجب ذلك على ولي الأمر (الدولة) من بيت المال (خزينة الدولة).ولما كان الطفل بعد انتهاء فترة رضاعته يحتاج إلى من يرعى شؤونه لذا أوجبت الشريعة على والديه رعايته وتربيته والإنفاق عليه وتعليمه حتى يبلغ أشده ويصبح مهيأ لمواجهة الحياة بمفرده وبهذا تكون شريعتنا السمحاء قد عبرت بشكل عملي على عنايتها المتميزة بالطفل ولم تتركه وحيدا منذ لحظة ولادته حتى يبلغ أشده حفظا على حياته وعملا على ضمان استمرارها أما المواثيق الدولية وإعلانات حقوق الإنسان فأكدت هي الأخرى على وجوب رعايةالاطفال والعناية الخاصة بهم وكفالتهم وتوفير كل ما من شأنه يحفظ لهم حياتهم ويصونها من الهلاك ولم تفرق في ذلك بين الولد بزواج شرعي من عدمه، ودون تمييز بسبب الدين والعرق أو الجنس فقد نصت المادة (25) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ((للأمومة والطفولة الحق في مساعدة ورعاية خاصتين وينعم كل الأطفال بذات الحماية الاجتماعية سواء كانت ولادتهم ناتجة من رباط شرعي أم بطريقة غير شرعية))أما إعلان حقوق الطفل الصادر عام 1980 فقد نص في المادة الأولى منه ((كل طفل دون استثناء بجميع الحقوق المقررة في هذه الإعلان،دون تمييز أو تفرقة بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو المعتقد السياسي أو غيره أو الأصل القومي أو الاجتماعي أو الملكية أو النسب أو غير ذلك من الأسباب القائمة لديه أو لدى أسرته)) وتضمن هذا الإعلان عشرة مبادئ كلها تؤكد على وجوب رعاية الطفل بشكل عام دون تمييز،بتوفير مستلزمات عيشه بما يضمن تطور نموه الجسماني والعقلي والخلقي والروحي والاجتماعي بصورة طبيعية سليمة وأكد الإعلان على ضرورة تقديم الرعاية التامة للأطفال المصابين بعاهات جسدية أو عقلية أو اجتماعية من علاج طبي وعناية خاصة،وأسست الجمعية العامة منظمة خاصة لرعاية الطفولة (اليونيسيف) مهمتها رعاية الأطفال في كل مكان من العالم .وأكدت دساتير معظم دول العالم على ضرورة العناية بالأطفال ورعايتهم حفظا على حياتهم ومنها كما ذكرنا سابقا المادة (11) من الدستور العراقي المؤقت والصادر قبل الاحتلال (الأسرة نواة المجتمع وتكفل الدولة حمايتها ودعمها وترعى الأمومة والطفولة) وقامت الدولة بعدة خطوات لتنفيذ ماورد في الدستور من اعتبار التعليم مجانيا وإلزاميا إلى تقديم الدعم الصحي والاجتماعي للام والطفل وتقديم جميع هذه الخدمات مجانا،ورغم أن الدستور العراقي الحالي الذي وضع بأشراف المحتل أكد في المادة (29 فقرة ب)((تكفل الدولة حماية الأمومة والطفولة والشيخوخة وترعى النشء والشباب، وتوفر لهم الظروف المناسبة لتنمية ملكاتهم وقدراتهم))ولكنها حبر على ورق مع انعدام الرعاية الصحية وسياسة التهجير الطائفي التي أثرت على حياة الأطفال بصورة مريعة بعدم تلقي العناية الصحية الكافية وانقطاعهم عن التعليم وقد شهد النظام التعليمي تدهورا هائلا خلال السنوات الأخيرة، وقد تفاقم ذلك التدهور نتيجة لما تعرضت له المدارس من إضرار جسيمة خلال الحرب الأخيرة قدرت بحوالي(36%) وأدى الانعدام المتواصل للأمن – التفجيرات اليومية،وعمليات الخطف والسرقة إلى إحداث فوضى في نسب الانتظام في المدارس وإبقائها متدنيا نسبيا وخاصة بالنسبة للفتيات .فضلا عن إن نهب المدارس لم يترك للطلاب والمعلمين إلا مواد قليلة للتعليم، أطفال العراق اليوم قد عاشوا معظم حياتهم تحت وطأة أكثرية العقوبات الاقتصادية والحرب وقد برزت اخطر تلك المؤشرات في أوضاعهم الصحية ووضعهم الغذائي خلال سنوات نموهم وتكونهم.لاريب إن أفدح الخسائر التي تعرض لها المجتمع العراقي كانت ما أصاب البشر من قتل وجرح وتشريد فقد أدى استخدام طرائق حرب لاتميز بين الأهداف المدنية والعسكرية ومنها القنابل العنقودية،إلى قتل وتشويه وفقد أعضاء لعدد كبير من العراقيين وكثر ة منهم من الأطفال الذين سترافقهم أثار هذه الإعاقات والتشوهات مدى حياتهم ومازالت شظايا هذه القنابل الموغلة في عدم ذكائها تغطي مساحات واسعة وستبقى أجزاؤها التي لم تنفجر تهدد المدنين العراقيين وبخاصة الأطفال منهم ….وليست المخاطر الصحية لذخائر اليورانيوم المنضب التي تلوث شظاياها البيئة العراقية وارض العراق وموارد مياهه اقل إعاقة لصحة العراقيين ولمستقبل التنمية الإنسانية في العراق وخلال العقد الأخير تفاقمت بين الأطفال عدة إشكال من السرطانات نتيجة التلوث البيئي الناجم عن استخدام اليورانيوم المنضب والتلوث الجرثومي في مياه الشرب فضلاً عن نقص التغذية،ونقص الأدوية واللقاحات كما انتشرت حالات التقزم والتشوهات الخلقية وأدى تدهور نظام الصرف الصحي إلى انتشار العديد من الإمراض المعدية مثل التيفوئيد والتهاب الكبد الفيروسي و يعد الإسهال قاتل رئيسي للأطفال . وأن مؤشرات سوء التغذية العام كانت(الوزن المنخفض نسبة إلى العمر)للمجموعة العمرية دون سن الخامسة تعكس الأوضاع التنموية والصحية لبقاء الأجيال . لقد تعرض الأطفال في العراق لمخاطر جسيمة وخصوصا كضحايا لفرق الموت والمليشيات الطائفية التي أدت إلى استشهاد مئات منهم إلى جانب إن العمليات العسكرية أدت إلى إصابتهم بإعراض نفسية وجسدية مختلفة
9)Rough،Andres'' starting Now ;strategies for helping girls complete primary ''SAGE technical Report No.1،Academy for Educational Development،Washington,D.C November،2000,pp29-36
UNICEF, the situation of children in Iraq (Update)(13
[1])تقرير التنمية الإنسانية العربية للعام 2003 برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، ص27
كما إن وجود الألغام بإعداد هائلة والتلوث البيئي وعدم توفر أنواع معينة من الأدوية كل ذلك ضاعف من معدل وفيات الأطفال فضلا عن الأطفال المهشمون(المشردين الأيتام،المعوقين وغيرهم) عموما يعانون من معدلات وفيات عالية قياسا بنظرائهم من الفئات الأخرى لأنهم يتعرضون للإمراض،والحوادث والإهمال والهجر وحتى قتل الوليد(infanticide). عكس الوضع الصحي خلال السنوات الخمس والعشرون الماضية تدهورا خطيرا أصاب صحة المواطنين ومستوى الخدمات الصحية. إن التراجع الكبير قد حدث بعد عام 2003في الوقت الذي كانت تتحسن فيه صحة الأطفال في اغلب أقطار العالم كانت معدلات الوفيات بين الأطفال والأمهات في العراق آخذة بالارتفاع حيث تجاوزت الضعف وانخفض معدل العمري المأمول (life expectancy at birth) للفرد من الجنسين إلى اقل من(60) سنة منذ عام 2003 تقريبا. وتصنف منظمة الصحة العالمية العراق حاليا ضمن الدول التي تتميز بارتفاع معدلات الوفيات بين البالغين والأطفال شانه في ذلك شان الدول الأكثر فقراً في إقليم شرق المتوسط مثل أفغانستان وجيبوتي والسودان واليمن.ولعل العوامل التي أسهمت في هذا التراجع هي:-
1-ارتفاع نسبة الفقر بشكل حاد إذ تصنف 11% من الأسر(أي نحو 2.7 مليون شخص)بأنها تعاني الفقر الشديد وانعدام الأمن الغذائي بانتظام في حين تعتمد(25%)من الأسر اعتماداًًًً كليا على الحصة التموينية استنادا إلى مسح أجراه برنامج الغذاء العالمي عام 2003.
2-سوء خدمات الصرف الصحية وعدم كفاية المياه الصالحة للشرب إذ تبلغ نسبة السكان القادرين على الحصول على الماء الصالح للشرب اقل من(40%)في بعض المناطق كما وانه لاتتوفر فرص خدمات صرف صحي مناسبة لثلثي عدد الأسر.
3-سوء التغذية إذ كان طفل واحد من بين خمسة أطفال يزن دون المعدل الطبيعي سنه2000 وطفل واحد بين كل ثلاثة أطفال كان مصابا بسوء التغذية المزمن.
4-انخفاض نسبة الالتحاق بالمدارس صاحبه عدم انتظام دوام التلاميذ وتسربهم من مقاعد الدراسة.
5-ارتفاع أنماط الحياة غير الصحية وارتفاع إعداد المدخنين والعادات الغذائية غير الصحية وقلة ممارسة النشاط (البدني والرياضة).
6-ازدياد إعداد ضحايا العنف الطائفي والمرور.
7- تدهور البرامج الصحية الوقائية وتراجع خطير في الخدمات المقدمة، للمواطنين كماً ونوعاً.
8-سياسة التهجير والتطهير الطائفي التي تنتهجها المليشيات المسلحة سواء التابعة للحكومة التي تستظل بواجهات حكومية أو غير الحكومية التي تأسست كرد فعل لحماية أبناء الطوائف المستهدفة أثرت بشكل كبير على حياة الأطفال العراقيين وانعدمت فرص تعليمهم ورعايتهم الصحية أو حصولهم على مسكن أو تغذية كافية هذا أذا لم تتسبب عمليات التهجير بفقدان الكثيرين منهم لحياتهم أو أصابتهم بإعاقات جسدية ونفسية .
هذا ما قدمته حكومة الولايات المتحدة للأطفال العراق المرض والموت لاغير رغم كل ما تبجحت به من تحرير العراق ورفاهية شعبه فقد صادرت حتى حق أطفاله بالحياة.
الاهتمام بالصحة :-وهذا مظهر آخر من مظاهر حفظ النفس في الشريعة الإسلامية لان الدين الإسلامي يبني إحكامه على الواقع وأول ما وجه الإسلام أتباعه ضرورة الاهتمام بالنظافة والطهارة واعتبرها شرطا لصحة كثير من العبادات كالصلاة وقراءة القرآن،وكذلك أوجب الإسلام على الإنسان الطعام والشراب لكونهما أهم أسباب استمرار حياة الإنسان وحفظها ونهاه عن الإسراف فيهما لان قد يكون سببا للهلاك والمرض. وأوجب الإسلام كذلك التطبب والتداوي في حالة المرض،وانطلاقا من حرص الإسلام على حفظ حياة الإنسان حرّم عليه دخول المناطق الموبؤة أذا كان خارجها خوفا عليه من الإصابة،أو خروجه منها أذا كان فيها،لئلا يكون سببا في نقل العدوى لمناطق أخرى لم ينتشر فيها الوباء وقال تعالى (ولاتلقوا بأنفسكم إلى التهلكة)(1)سورة البقرة الآية 195
عدّ الإسلام من صميم واجبات الدولة تجاه المواطنين أن تتكفل الدولة بعلاج المرضى وتقدم لهم العلاج الطبي اللازم لشفائهم حفظا على حياتهم وعلى استمرارها. بهذا تكون الشريعة الإسلامية قد حرصت بشكل كبير على صحة الإنسان والعمل على حفظها وصيانتها لأنها من الأسباب الرئيسية لحفظ حياته.
أما مواثيق وإعلانات حقوق الإنسان فأنها هي الأخرى أكدت من جانبها على حرصها على حفظ حياة الإنسان فقد أشارت المادة (25) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في الفقرة الأولى منها إلى (أن المحافظة على الصحة حق ثابت للإنسان تتكفل به الدولة والمجتمع، كما له الحق في توفير كل ما من شأنه أن يحفظ صحته من مسكن وملبس) .وأنشأت الأمم المتحدة لهذا الغرض منظمة الصحة العالمية في سبيل تقديم الحلول وأفضل السبل لحماية صحة الإنسان .
أما الدستور العراقي المؤقت الصادر قيل احتلال العراق فقد نص في المادة (33) منه على إن ((تلتزم الدولة بحماية الصحة العامة عن طريق التوسع المستمر بالخدمات الطبيـة المجانية في الوقاية والمعالجة والدواء على نطاق المدن والأرياف))ولهذا الغرض أنشئت الكثير من المراكز الصحية والمستشفيات في العراق وجهزت بأحدث الأجهزة الطبية وقدمت الخدمات الصحية المتقدمة مجان لكل المواطنين دون تمييز بينهم لأي سبب كان .أما الدستور العراقي الحالي فقد أقر في المادة (31)أولا((لكل عراقي الحق في الرعاية الصحية،وتعنى الدولة بالصحة العامة .وتكفل الدولة وسائل الوقاية والعلاج بإنشاء مختلف أنواع المستشفيات والمؤسسات الصحية))وكما نرى من النص لم يجعل الخدمات الصحية مجانية وبالفعل لم تقدم خدمات صحية بعد انهيار بنى الدولة التحتية من مراكز ومستشفيات صحية من قبل الدولة بل من قبل مؤسسات خيرية ولم يتم تجهيز المستشفيات بأجهزة حديثة مكان التي تعرضت للسرقة والنهب وبسبب الفساد الإداري لازالت المستشفيات العراقية تعاني نقصا حادا في الأدوية والأجهزة الطبية، والأدهى أغلقت الكثير من المستشفيات العامة في كثير من مناطق المحسوبة على المقاومة واتخذت مقرات عسكرية وحرم المواطنين من خدماتها،بل وأغلقت مستشفيات كثيرة لأسباب طائفية منعا لمواطني طائفة ما من تلقي الخدمات الصحية وتحولت وزارة الصحة إلى مقر لإحدى المليشيات الطائفية تقوم بقتل وخطف ومنع المرضى من تلقي الخدمات لأسباب طائفية ووصل الأمر حتى بمنع أكياس الدم من الوصول لمحتاجيها وعدم تجهيز المستشفيات بأي أدوية أو مستلزمات طبية مادامت تقع في مناطق الطوائف الأخرى.بالإضافة إلى التلوث البيئي الحاد نتيجة عدم اتخاذ الإجراءات الصحية لتصريف مياه الصرف الصحي، وتلوث البيئة العراقية نتيجة استخدام مواد كيماوية من قبل قوات الاحتلال والتي لايمكن معالجة آثارها لعقود طويلة،بالإضافة إلى تهجير الآلاف من الأطباء وإفراغ المستشفيات من الكوادر المتخصصة لأسباب غير معروفة سوى أفراغ العراق من كوادره المتخصصة وقد جرى اغتيال العشرات منهم وتهديد الآخرين باختطافهم ودفعهم للرحيل.أن انهيار النظم الصحية في العراق نوع من الإبادة الجماعية للمواطنين العراقيين وحرمانهم من حقهم الإنساني في الحياة .
اعتبار الحياة واجبا :- ليست حياة الإنسان من الأمور التي يجوز التفريط بها إذ هي أمانة مقدسة ترتكز عليها مسؤوليات دينية مقدسة قال تعالى((فإذا سويته ونفخت فيه من روحـي فقعوا له ساجدين)سورة (ص)الآية 72
فلا يجوز للإنسان إن يهين حياته بالقدر الذي يعطل مقصد الشارع في خلقه وإيجاده أو يهين حياة غيره فعلى الإنسان إن يحافظ على حياته وحياة غيره وجوبا ونهى من شدة حرص الإسلام على حياة الإنسان عن مجرد تمني الموت. في الوقت الذي تعتبر حياة الإنسان حقا له تعتبر واجبا عليه لأنه من حقوق الله على البشر التي يجب إن تصان.
إما مواثيق وإعلانات حقوق الإنسان في المادة (29) الفقرة (1-2) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان إلى (إن الإنسان فرد من المجتمع مكلف برسالة الحياة ينبغي عليه القيام بها لتحقيق الخير له وللمجتمع. وان تمتعه بحقوقه الطبيعية مقيد بمراعاة المصلحة العامة التي يقررها القانون).
وجاء في الدستور العراقي المؤقت في المادة عشرة منه ((التضامن الاجتماعي هو الأساس الأول للمجتمع ومضمونه أ يؤدي كل مواطن واجبه كاملا تجاه المجتمع، وان يكفل المجتمع للمواطن كامل حقوقه وحياته)) ولم نجد نصا يماثل هذا النص في الدستور الجديد
مما هو جدير بالذكر في هذا البحث التعريج للشريعة الإسلامية في الوقت الذي حرصت فيه على حياة الإنسان ونهته عن تعريض نفسه للمخاطر إلا أنها أوجبت عليه ذلك في حالات معينة كالدفاع عن الدين وعن كرامة الإنسان المتمثلة في النفس والمال والعرض والأهل والوطن. وجعلت الشريعة الدفاع عن الدين أهم تلك المقاصد وشرع الجهاد في سبيل محاربة من يعتدي على الإسلام ويفتن المسلمين عن دينهم وقال تعالى (وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في ســــبيل الله) سورة التوبة الآية (9),فالشهيد في الإسلام يعتبر حيا في سجل الخالدين وهي فوق غاية الكرم وهو الجود بالنفس وهي أغلى مايملك من النعم التي أنعم الله بها عليه دفاعا عن الرسالة الإسلامية والقيم السامية التي جاءت بها .وكما أوجبت الشريعة الدفاع عن الدين أوجبت الدفاع عن الأوطان،لان استقرار المواطنين وأمنهم لايمكن أن يتحقق أذا ما تعرضت أوطانهم للاحتلال والعدوان الأجنبي .وعدت الشريعة الإسلامية الجهاد فرض عين على كل المسلمين في حال إعلان النفير العام لصد العدوان باتفاق الفقهاء .وأشار الدستور العراقي المؤقت في المادة (31) على ((آ- الدفاع عن الوطن واجب مقدس وشرف لكل مواطن وتكون الخدمة إلزامية وينظم القانون طريقة أدائها – ب- القوات المسلحة هي ملك الشعب العراقي وهي عدته لحفظ أمنه والدفاع عن استقلاله وحماية سلامة ووحدة شعبه وأرضه وتحقيق أهدافه وأمانيه الوطنية والقومية))أما الدستور الجديد فقد نص في المادة (9) منه على ((أولا أ- تتكون القوات المسلحة والأجهزة الأمنية من مكونات الشعب العراقي،بما يراعي توازنها وتماثلها دون تمييز أو إقصاء،وتخضع لقيادة السلطة المدنية، وتدافع عن العراق، ولاتكون أداة قمع، ولا تتدخل في الشؤون السياسية، ولادور لها في تداول السلطة .ثانيا- تنظم خدمة العلم بقانون))وكما نرى من النص الدستوري الذي وضع بأشراف المحتل الدفاع عن العراق ولكن من أي شيء أذا كان البلد محتل ولا يحق لجيشه المقسم مذهبيا وعرقيا وطائفيا إن يقاتل دفاعا عن وطنه ضد المحتل الأمريكي ولادور له في بلده سوى الدفاع ولكن عن ماذا يدافع هذا الجيش ؟؟عن جيش الاحتلال ذاته وعن طغمة سياسية فاسدة من العملاء وقطاع الطرق وشذاذ الأفاق وعملية سياسية تهدف إلى تقسيم البلد ونهب خيراته ورهنه حاضره ومستقبله بيد الامبريالية العالمية.
وتحول الجيش المتشرذم طائفيا وعرقيا إلى أداة قمع للمواطنين ورجال المقاومة التي تدافع عن شرف العراق وتحول قادته إلى فاسدين ومجرد لصوص لا هم لهم سوى نهب وطنهم.
أما وثائق وإعلانات حقوق الإنسان العالمية فقد أكدت على مبدأ حق تقرير المصير منصوص عليه في ميثاق الأمم المتحدة (United Nations Charter) كما أكد عليه قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 2625 (المادة 25) الصادر في 24 أكتوبر 1970 والذي ينص على أنه يجب على كل دولة أن تمتنع عن أي فعل قسري يؤدي إلى حرمان الشعوب (المشار إليها في هذا القرار) من حقها في تقرير المصير. كذلك فإن المادة الأولى المشتركة ما بين الاتفاقية الدولية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية (International Covenant on Economic, Social and Cultural Rights) والاتفاقية الدولية للحقوق المدنية والسياسية (International Covenant on Civil and Political Rights) تؤكد على حق كل الشعوب في تقرير المصير وتفرض على الدول مسئولية العمل على تطبيق هذا الحق واحترامه فيما يتفق مع ميثاق الأمم المتحدة.
كذلك فإن لجنة حقوق الإنسان قد أكدت بشكل دوري على شرعية المقاومة ضد الاحتلال باستخدام كافة الوسائل بما في ذلك الكفاح المسلح (قرار رقم 3-35، 21 فبراير 1979 وقرار رقم 1989/19، 6 مارس 1989). كما نص قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 37/43، المعتمد في 3 ديسمبر 1982، نص بوضوح على "التأكيد على شرعية كفاح الشعوب من أجل الاستقلال والتكامل الإقليمي والوحدة الوطنية والتحرر من الهيمنة الاستعمارية والأجنبية والاحتلال الأجنبي باستخدام كافة الوسائل بما في ذلك الكفاح المسلح. (انظر أيضا قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم (1514, 3070, 3103, 3246, 3328, 3382, 3421, 3481, 31/91, 32/42 و 32/154).
المادة الأولى، الفقرة الرابعة من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف (1st Additional Protocol to the Geneva Conventions)، 1977، تعتبر أن الكفاح من أجل تقرير المصير هو بمثابة حالة نزاع مسلح دولية. كما ينص إعلان جنيف حول الإرهاب (The Geneva Declaration on Terrorism) أنه: "كما قررت الجمعية العامة للأمم المتحدة أكثر من مرة فإن الشعوب التي تكافح ضد الهيمنة الاستعمارية والاحتلال الأجنبي وضد الأنظمة العنصرية في إطار كفاحها من أجل تقرير المصير من حقها أن تستخدم القوة لتحقيق أهدافها في إطار من القانون الإنساني الدولي. إن هذا الاستخدام المشروع للقوة لا يجوز الخلط بينه وبين الإرهاب الدولي."
في سياق ممارستها لحقها في تقرير المصير تملك الشعوب الحق "في الكفاح.. وفي البحث والحصول على الدعم في اتساق مع مبادئ الميثاق" وبما يتفق مع إعلان مبادئ القانون الدولي الخاصة بالعلاقات الودية والتعاون ما بين الدول (Declaration on Principles of International Law concerning Friendly Relations and Co-operation among States). وفي إطار هذه الشروط تعترف المادة السابعة الخاصة بتعريف العدوان (Definition of Aggression) (قرار الجمعية العامة رقم 3314 (29) الصادر في 14 ديسمبر 1974) بمشروعية كفاح الشعوب الواقعة تحت الاحتلال والهيمنة الأجنبية.
-فيما يتعلق بالعقاب الجماعي انظر المادة رقم 50 من لوائح لاهاي الرابعة (The Hague IV Regulations)، 1907: "لا يجوز توقيع عقوبة عامة أو مالية أو غيرها على مجموع السكان بسبب أفعال لا يمكن اعتبارهم مسئولين عنها كأفراد أو مجموعات"؛ المادة 33 من اتفاقية جنيف الرابعة (The Fourth Geneva Convention)، 1949: "العقاب الجماعي وغيرها من أساليب الترهيب أو الإرهاب أمور ممنوعة"؛ والمادة 51 من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف (1st Additional Protocol to the Geneva Conventions)، 1977.