نفيه أن يكون الإسلام ديناً ودولة*
ـ يرى(جمال البنَّا) نقض مفهوم
الإسلام دين ودولة) ويرى أنَّ الصحيح (الإسلام دين وأمة)،وليس ديناً ودولة، حتى بلغ به الأمر لأن يصدر كتاباً بهذا العنوان كان قد نشر معظمه بجريدة القاهرة ، وفيه دعا للفصل بين الدين والسلطة!
وحقاً فما أجمل بك أن تقول: جمال البنَّا والعلمانيون (تشابهت قلوبهم)! لأنَّ الرأي الذي ذكره (جمال البنا) تأصيل لعداوة العلمانيين للإسلام ودعاته؛ بل هو يتطابق مع العلمانيين حين يقولون: الإسلام لا دخل له بالسياسة، بل هو محصور في زوايا المسجد ، وتكايا الذكر، ويعني ذلك أن ننسف كلَّ تاريخ الإسلام، الذي كان قائماً على حفظ السياسة الشرعيَّة للمسلمين، وعلى حماية دولهم ، بل حتَّى الدولة التي أقامها رسول الله ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ في المدينة المنوَّرة والتي كانت منطلقاً للجيوش الإسلاميَّة لفتح الدول التي صدَّت عن الإسلام أو قاومت جيوشه، فهذه الدولة بمقتضى آراء جمال البنَّا كانت خطأً شنيعاً وذلك لأنَّ الأصل أن تقوم هذه الدولة بالفصل بينها وبين الدين؛ لأنَّ الإسلام في نظره (دين وأمَّة) وليس(ديناً ودولة) وهذه توصية من( جمال البنا) للإسلاميين بأن يتقزَّموا ويتقوقعوا على أنفسهم وألاَّ يتدخَّلوا في قضايا السياسة،أو أن يسعوا لإقامة دولة الإسلام ، فهذا حرام عليهم ، أمَّا على العلمانيين والليبراليين فحلال لهم ذلك !فليحكمنا العلمانيون والزنادقة ، وليكن الإسلاميون مقتصرين على السبحة والدروشة فقط!
الجهاد في سبيل الله**
ـ يرى (جمال البنا) أنَّ الجهاد في سبيل الله أُلغِيَ؛ فيقول:" أمَّا جهاد اليوم بلفظه فهو جهاد بلا قتال، وإنَّ جهاد القتال أُلغي!"
وجواباً عليه؛ فلا أدري أين سيذهب الأستاذ (جمال البنَّا) بمئات الآيات والأحاديث التي تأمر بجهاد الكفَّار والذي يعني القتال في سبيل الله، والتي توضِّح أنَّ علم الجهاد لا يزال قائماً حتَّى قيام السَّاعة، ومن ذلك ما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه في كتاب الجهاد من حديث ثوبان ـ رضي الله عنه ـ أنَّ رسول الله ـ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ( لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق ، لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك ).
و روى الصحابي الجليل عقبة بن عامرـ رضي الله عنه ـ فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول
لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أمر الله قاهرين لعدوهم، لا يضرهم من خالفهم، حتى تأتيهم الساعة وهم على ذلك)
وفي حديث جابر بن سمرة مرفوعاً إلى الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنَّه قال
لن يبرح هذا الذين قائماً يقاتل عليه عصابة من المسلمين حتى تقوم الساعة ) وكلُّ هذه الأحاديث في صحيح مسلم !
وفيها برهان واضح أنَّ راية الجهاد والقتال في سبيل الله ستكون خفَّاقة عالية مرفوعة إلى قيام السَّاعة،والله تعالى يقول في محكم التنزيل
وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إنَّ الله لا يحب المعتدين)(البقرة:190) وفي هذه الآية برهان واضح، ودليل ساطع على وجوب الدفاع عن أراضي المسلمين، وذلك حين يحتل الكفَّار أراضي المسلمين وديارهم، والخلاصة التي نستوحيها ونفهمها من كلام الأستاذ(جمال البنَّا) أن ننبطح تجاه المحتل الأمريكي والصهيوني والروسي والهندوسي الغاشم في بلاد الإسلام (فلسطين ـ العراق ـ أفغانستان ـ الشيشان ـ الصومال ـ كشمير) ويهنأ الكافر المحتل في احتلاله لبلاد المسلمين بلا مقاومة جهاديَّة عسكريَّة !!
البنا والسنة النبوية
السنَّة في نظره موضع شك وريبة**
ـ يقول جمال البنَّا:" إن السنة بما دخلها من الوضع وبما أدرجه رواة السنة الموثقون من كلامهم في متن الحديث وما لحق الحديث من شذوذ واضطراب ورواية بالمعنى ، كل هذا جعل السنة كلها في موضع الشك والريبة بحيث لم تعد محلاً للثقة والاعتماد"
قد يرى بعضهم أنِّي قد بالغت في اتهامي لجمال البنا بإنكاره لما انفردت به السنَّة النبويَّة المطهَّرة بالأحكام عن القرآن، أو أنَّها جاءت بتفصيلات إضافة على ما في كتاب الله ـ عزَّ وجل، ولكن ما ذكرته آنفاً نصُّ كلامه ، وهنا يتَّضح مراد هذا الرجل؛ حيث إنَّه ينظر النظرة الكالحة للسنَّة النبويَّة المطهرة، ويرى أنَّها اخترقت من الرواة ، وأدرجوا فيها كلامهم، وعلى هذا فإنَّ أفضل حل عنده أن يجعل السنَّة محلّ شك وارتياب ـ عياذاً بالله ـ، وأنَّه لا يجوز روايتها؛لأنَّها لم تعد محلاً للثقة والاعتماد ، وصدق من قال :
يقولون :هذا عندنا غير جائزٍ * ومن أنتم حتَّى يكون لكم عند؟!
فليبيِّن إذاً ما المواضع التي حصل فيها شذوذ واضطراب ؟ ولا يلق الكلام جزافاً ، فإنَّ له أهل الحديث المتخصِّصين الذين سيفرمون أقواله فرماً، ويوضِّحون عورها وضلالها.
ومن كانت لديه أدنى إلمامة من هذا العلم فسيعلم أنَّ الأستاذ جمال يتحدَّث فيما لم يعلمه ولم يتقنه، وعلى غير قواعد علماء الجرح والتعديل، فهو يحكم بالشذوذ والاضطراب والضعف والنكارة على أحاديث بمقتضى ما يمليه عليه هواه ، دون أثارة من علم، ولا مستند من قواعد منهجيَّة وأصول مرعيَّة حكاها أهل العلم أو أجمعوا عليها.
فمن أين أو أنَّى وكيف ضلالهم * هدى، والهوى شتَّى بهم متشعِّب؟!
(1)
رفضه قواعد المحدِّثين، وقوله بعدم عدالة الصحابة
ـ يرفض الأستاذ (جمال البنا) قواعد المحدثين في الجرح والتعديل التي من خلالها يثبت الحديث، وعلى رأسها "عدالة الصحابة"؛ حيث ينفي وجوب تعديلهم إلزاماً كما استقر المنهج عند أهل السنة والجماعة، ويرى أنهم قد يكذبون في الحديث، وإذا لم يكذبوا فهم ينسون، والنسيان أخو الكذب، وكثرة رواية الصحابي للحديث عنده تجرحه؛ إذ إن أفاضل الصحابة وكبارهم عنده أقلهم رواية للحديث، والعكس بالعكس!
والجواب على ذلك؛ فإنَّه بناء على هذا الرأي فإنَّه سيكون من ورائه هدم أحاديث كثيرة بل ستهدم السنَّة، بحجَّة خطأ قواعد الجرح والتعديل التي تداولها العلماء القرون تلو القرون ، وانطلقوا من خلالها ، وحكموا بضوئها على الأحاديث!
ثمَّ إذا نفينا قواعد الجرح والتعديل التي أطبق عليها المحدِّثون؛ فإلى أي قواعد جرح وتعديل نستند؟
هل لآراء (جمال البنَّا)؛ التي يختلف معه فيها كل علماء الجرح والتعديل سلفاً وخلفاً؟
وهل كان المسلمون يتعبَّدون الله ـ تعالى ـ بدين باطل قائم على جملة من الأكاذيب حتى جاء جمال البنا بكشفها؟
وأين دليل الكذب من صحابة رسول الله على رسولنا محمد صلَّى الله عليه وسلَّم ؟
ثمَّ لو كذب أحد منهم ـ وحاشاهم ـ هل سيوافقه جميع الصحابة على كذبته تلك؟
إنَّها لإحدى الكبر!
هل يرضى (جمال البنَّا) أن يُقول القائل عنه شخصياً: ما الذي أدرانا بأنَّك لا تكذب على الناس في آرائك وفتاويك؛ لأنَّك إنسان ويجوز عليك الكذب والنسيان!! فهل يرتضي ذلك على نفسه إذا ارتضى ذلك للصحابة الكرام !
وأمَّا قوله
إذ إن أفاضل الصحابة وكبارهم أقلهم رواية للحديث، والعكس بالعكس!).
فلا يعني هذا أن يكون المكثر من الرواية كذاباً ، فإنَّ الذين أكثروا من رواية الحديث كانوا معنيين بسماعها وإسماعها، وكثير منهم كان أكثر مخالطة لرسول الله ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ من غيرهم من الصحابة ، وكثير منهم نال بركة دعاء النبي ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ بالحفظ والفقه؛ فقد دعا ـ عليه الصلاة والسلام ـ لابن عبَّاس بأن يفقهه الله في الدين، و دعا لأبي هريرة بحفظ الحديث ، و كان عبد الله بن عمرو بن العاص ـ رضي الله عنهما ـ يكتب أحاديث رسول الله ولا ينكر عليه رسول الله ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ فعله ذاك ، وكانت عائشة ـ رضوان الله عنها ـ زوج رسول الله؛ تعلم عنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ أموراً لم يعلمها الصحابة ، وهكذا الأمر ممَّن أكثروا الرواية عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ.
ولقد ذكر علماء الحديث أنَّ إكثار بعض الصحابة من رواية الحديث كان بعد عهد الخلفاء الراشدين عندما اقتضى الأمر جمع حديث رسول الله ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ خشية ذهاب الصحابة ووفاتهم، حيث إنَّ بعضهم كان يتورع عن الرواية ، وحين شعر الصحابة الكرام ـ رضوان الله عليهم ـ أنَّ كثيراً من الصحابة قد توفاهم الله، قاموا يروون الحديث ليبلغوا لنا الدين حتى لا تندرس آثاره ، وتنطمس حججه.
ونحن على يقين بأنَّ الصحابة الكبار ـ رضوان الله عليهم ـ لو علموا أنَّ أحداً من الصحابة الصغار كذبوا ـ حاشاهم ـ لوقفوا في وجوههم ، وبيَّنوا الحقيقة والصواب.
والمعلوم عن الصحابة الكبار أنَّهم كانوا يحترمون مجالس أولئك الصحابة الحفظة والنقلة لأحاديث رسول الله ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ وكان الصحابة الكبار كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي ـ رضوان الله عليهم أجمعين ـ مشغولين بهموم الأمَّة العامَّة ، وشؤون الخلافة وهموم رعيَّتهم، وليسوا كأولئك الصحابة الذين كان يتوفر لهم وقت في التعليم والتدريس ما لا يتوفر لغيرهم.
والحاصل أنَّ الأستاذ (جمال البنا) خالف القطعيات القرآنية الصريحة في تعديل الله عز وجل وتزكيته للصحابة، فجوَّز عليهم إمكانية الكذب، ولعله لما شعر أنه بهذا قد خالف القرآن الكريم، عاد فجوَّز عليهم النسيان، ليُسْقِطَ بذلك روايتهم حسبما يريد، وتلك خطيئة أكبر من أختها؛ فالأولى تخالف نصَّاً قطعياً قرآنياً، والثانية تخالف نصَّاً قطعياً آخر؛ لأن القرآن الكريم قد نص صراحة على تعهُّد الله بحفظ الوحي(القرآن والسنة) والذي يُجوِّز على مجموع الصحابة الكذب أو النسيان على معالم الدين، وأصول الشريعة؛ فإنَّه يخالف النصوص القطعية في القرآن الكريم في تزكية الصحابة بمثل قوله تعالى: "رضي الله عنهم ورضوا عنه" وفي التعهد بالحفظ للدين في قوله تعالى: "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون".
ولنكن أكثر صراحة من أولئك الذين يستخفون خلف الشعارات ويرفضون التصريح بمقاصدهم فنتساءل:
هل المقصود الكلام عن شخص الصحابة ومكانتهم عند ربّهم؟
أم المقصود الكلام عن روايتهم للدين؟
إن كان الأول فمعناه تكذيب الوحي الذي جاء بالترضي عنهم ، وذكر ممادحهم وفضائلهم.
وإن كانت المسألة عن روايتهم للدين فقد حسم دين الإسلام القضية عندما تعهد الله عز وجل بحفظ دينه فلابد أن يكون الدين محفوظا، فالذي يرفض روايات الصحابة ويُجوِّز عليهم الكذب أو النسيان فلا مفر له من أمرين: إما أن يأتينا بروايات أخرى وأناس آخرين يحملون لنا الدين، ولم يوجد ولن يوجد، فإن لم يستطع ولن يستطيع، فعليه أن يُنكر القرآن والسنة ويُنكر الدين نفسه ، وبهذا أو ذاك، فهو خارج نطاق العقل والمعقول لأن الذي اتفقت عليه عقول البشر قاطبة مسلمهم وكافرهم أن هناك ديناً اسمه الإسلام رواه قوم اسمهم الصحابة فهذه حقيقة مسلَّمة حتى لدى الكافرين!
(2)
التشكيك بصحَّة كثير من أحاديث الصحيحين
ـ يضعِّفُ الأستاذ (جمال البنَّا) جمعاً من الأحاديث التي تواترت صحتها عن علماء الحديث النقاد والمدققين ؛لأنَّه يراها تصطدم بالقرآن؛ فهو يرى أنَّ كل كتب السنة تعج بالموضوعات، بما فيها صحيحا البخاري ومسلم ، ولهذا فقد ألَّف كتاباً في نقدهما سمَّاه
تجريد البخاري ومسلم من الأحاديث التي لا تلزم)!
والجواب على ذلك أن يُقال:ما يدَّعيه الأستاذ (جمال) بأنَّ هناك أحاديث تصطدم بالقرآن ، فإنّها في الحقيقة تصطدم بعقله المضطرب ليس إلاَّ؛ فمن طالع كتبه ومقالاته وسمع أقواله، فسيعلم حقيقة ما أقول، ومن علم حجَّة على من لم يعلم.
لقد وضَّح علماء الإسلام أنَّه لا يتعارض حديث مع آية ، وكان لعلماء المسلمين طرائق منهجيَّة في التعامل مع النصوص القرآنية والنبويَّة التي قد يُشكِلُ ظاهرها، أو يتوهم بعض الناس تعارض بعضها مع بعضها الآخر، وإذا كان التعارض يدور في عقل (جمال) فليس له أن يضعِّف أحاديث اتَّفق العلماء على تصحيحها أو تحسينها وبيَّنوا وجه الدلالة منها ، بل عليه أن يتَّهم عقله، والذي لم يستطع أن يجمع بين تلك الأحاديث والآيات التي ظاهرها التعارض لديه ، وعليه أن يرجع إلى كتب العلماء ليتعلَّم كيف يتعامل مع النصوص التي ظاهرها التعارض.
وأمَّا قوله بأنَّ كتب السنَّة تعجُّ بالموضوعات ، فإنَّ هذا قول مجمل ! فأي كتب السنَّة يقصد؟ ثمَّ ما الأحاديث الموضوعة التي تعج وتضجُّ منها تلك الكتب بزعمه والتي يدعو لاستخراج ما بها من أحاديث مكذوبة وموضوعة حتَّى لا تفسد العقول؟
أليس أهل العلم والحديث المتخصِّصون قد بيَّنوا الأحاديث الموضوعة والضعيفة، وأفردوها بكتب وأسفار خاصَّة بذلك ؟
فما الذي سيأتينا به الدخلاء على علم الحديث وأهله؛ حتَّى يوضِّحوا الأحاديث الموضوعة والمكذوبة المنتشرة في كتب السنة ؟
ومن ثمَّ فليبينوا ما القواعد التي سينتهجونها ولا يكون فيها تعارض ؟
ومن الذين يوافقونهم على ذلك؟ حيث إنَّ الأمَّة لا تجتمع على ضلالة!
والذي يظهرـ وللأسف ـ أنَّ جمال البنَّا يريد من كلامه المضي قدماً للطعن في أصح كتابين بعد كتاب الله، وحينها فسيحلو لأهل الأهواء التلاعب بنصوص الكتاب والسنَّة وضرب بعضها ببعض، استناداً لأهوائهم!
ومِمَّا يبيِّن ما أقوله أنَّ (جمال البنا) قال: إنَّ هناك أحاديث في صحيحي البخاري ومسلم لا تلزم ، وليته اعتمد منهج أهل الحديث في التصحيح والتضعيف ، بل كان تضعيفه قائماً على الهوى والحكم المطلق لما يمليه عليه عقله، وهو بهذا يريد أن ينقضَّ على الكتب الصحيحة ويبدأ بمعاوله في نقضها قبل غيرها، حتَّى يُشعِر الناس أنَّ دينهم الذي قاموا عليه عماية وضلالة، وأنَّ تعبدهم لله قائم على الجهل ، إلى أن أتى (جمال البنَّا) فكشف الله به الضلال الذي كانوا عليه !!
(3)
دعوته إلى الاحتكام بما في صحيح السنَّة إلى صريح القرآن
ـ يدعو(البنا) إلى الاحتكام بما في صحيح السنَّة إلى الصريح من القرآن ! وهي المرجعية الإسلامية الملزمة عنده فقط،ولنتأمَّل قوله عن المرجعيَّة الملزمة لنا بأنَّها:"القرآن الكريم والصحيح المنضبط من السنة النبوية أما أحكام الفقهاء وأئمة المذاهب والصحابة إلخ.. فلا تعد ملزمة"
وإجابة على ذلك؛ فإنَّ معنى هذا أنَّ أي حديث لم يأتِ عليه دليل من كتاب الله فليضرب به عرض الحائط، ولا يستدلَّ به، وكلام(جمال البنَّا) في هذا المجال يشبه قول القرآنيين الذين نسبوا أنفسهم إلى القرآن وقالوا: لا نأخذ إلا به وأنكروا السنة، وقد كفرهم الأزهر وغيره من المؤسسات الدينية في دعواهم الأخذ بكتاب الله وترك الاحتجاج بكتب السنَّة!
و(جمال البنَّا) عبر كلامه هذا يبطل الآيات والأحاديث التي جاءت بالأمر بالأخذ بالأحاديث؛ لأنَّها وحي يوحى لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال ـ تعالى ـ: (( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا )) (الحشر: 7)) ومن الآيات التي تدلُّ على أنّ السنة وحي قول الله ـ عزَّ وجل ـ : (( لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَاب وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ)) آل عمران(164).
وقد أخرج الإمام البخاري عن عبد الله بن مسعود قال :"لعن الله الواشمات والمستوشمات، والمتنمصات، والمتفلجات للحسن، المغيرات خلق الله" فبلغ ذلك امرأة من بني أسد يقال لها: أم يعقوب ، فجاءت فقالت : إنه بلغني أنك لعنت كيت وكيت ! فقال : وما لي لا ألعن من لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن هو في كتاب الله ؟ فقالت : لقد قرأت ما بين اللوحين فما وجدت فيه ما تقول ، قال : لئن كنت قرأتيه لقد وجدتيه؛ أما قرأت : { وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} ؟ قالت : بلى ، قال : فإنه قد نهى عنه. .
وفي هذا الحديث دليل واضح على أنَّ الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ استيقنوا بأنَّ السنَّة شارحة للقرآن ومبيِّنة له ، استنباطاً منه وأخذاً بقوله ـ تعالى ـ
وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا).
وأخرج الإمام أحمد وأبو داود بسند صحيح عن المقدام بن معد كرب:"ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه ، ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول : عليكم بهذا القرآن؛ فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه ، وما وجدتم فيه من حرام فحرموه ! ألا وإن ما حرم رسول الله مثل ما حرم الله" .
يقول الإمام الشافعي:" فذكر الكتاب وهو القرآن ، وذكر الحكمة فسمعت من أرضى من أهل العلم بالقرآن يقول : الحكمة:سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم"
فكل هذه الآيات والأحاديث والآثار ترد على (جمال البنا) الذي لا يرى أنَّ أحاديث السنَّة الثابتة عن رسول الله ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ حجَّة يلزم الأخذ بها وتصديقها ، إلاَّ الأحاديث التي جاءت بما جاء به كتاب الله ، ولم تضف شيئاً جديداً! وهذا يعني أنَّ كثيراً من العبادات التي نتعبَّد بها الله ـ جلاَّ وعلا ـ ستكون غامضة لأنَّ تفصيلاتها وتفريعاتها موجودة في كتب السنَّة، حيث إنَّها شارحة وموضحة لما في كتاب الله تعالى.
خاتمة
وفي ختام هذه الردود علي الاستاذ البنا ينبغي أن يُعْلَم أنَّ خلافنا مع جمال البنَّا، ليس خلافاً يسيراً يُعذرُ المخالف بمخالفة المسلمين فيه، بل خلاف في مبادئ الشريعة وثوابتها أصلاً!
وكذلك فإنِّي أوجه دعوة للعلماء والدعاة بأن يقوموا بنقض أقواله، ليعرف الناس فساد ما قاله وحطورته علي جموع المسلمين !
وكذلك ادعو المسلمين جميعا الي العودة الي كتاب الله وسنة نبيه صلي الله عليه وسلم ففي ذلك العصمة والسلامة من امثال البنا وغيره ممن لاحظ لهم ولانصيب في التفقه في دين الله جلا وعلا
والله اسأل أن يعلمنا ما ينفعنا وان ينفعنا بما علمنا وان يزدنا علما ... امين
B