فوائد الاستغفار
(1) الاستغفار يجلب الغيث المدرار للمستغفرين ويجعل لهم جنّات ويجعل لهم أنهارا.
(2) الاستغفار يكون سببا في إنعام اللّه- عزّ وجلّ- على المستغفرين بالرّزق من الأموال والبنين.
(3) تسهيل الطّاعات، وكثرة الدّعاء، وتيسير الرّزق.
(4) زوال الوحشة الّتي بين الإنسان وبين اللّه.
(5) المستغفر تصغر الدّنيا في قلبه.
(6) ابتعاد شياطين الإنس والجنّ عنه.
(7) يجد حلاوة الإيمان والطّاعة.
(
حصول محبّة اللّه له.
(9) الزّيادة في العقل والإيمان.
(10) تيسير الرّزق وذهاب الهمّ والغمّ والحزن.
(11) إقبال اللّه على المستغفر وفرحه بتوبته.
(12) وإذا مات تلقّته الملائكة بالبشرى من ربّه.
(13) إذا كان يوم القيامة كان النّاس في الحرّ والعرق، وهو في ظلّ العرش.
(14) إذا انصرف النّاس من الموقف كان المستغفر من أهل اليمين مع أولياء اللّه المتّقين.
(15) تحقيق طهارة الفرد والمجتمع من الأفعال السّيّئة
(16) دعاء حملة عرش ربّنا الكريم له.
فائدة
معنى قوله صلى الله عليه و سلم في الحديث الصحيح من حديث بريدة رضي الله تعالى عنه [ سيد الاستغفار أن يقول العبد : اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء بنعمتك علي وأبوء بذنبي فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت ]
فجمع في قوله صلي الله عليه وسلم أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي مشاهدة المنة ومطالعة عيب النفس والعمل
فمشاهدة المنة توجب له المحبة والحمد والشكر لولي النعم والإحسان ومطالعة عيب النفس والعمل توجب له الذل والانكسار والافتقار والتوبة في كل وقت وأن لا يرى نفسه إلا مفلسا وأقرب باب دخل منه العبد على الله تعالى هو الإفلاس فلا يرى لنفسه حالا ولا مقاما ولا سببا يتعلق به ولا وسيلة منه يمن بها بل يدخل على الله تعالى من باب الافتقار الصرف والافلاس المحض دخول من كسر الفقر والمسكنة قلبه حتى وصلت تلك الكسرة إلى سويدائه فانصدع وشملته الكسرة من كل جهاته وشهد ضرورته إلى ربه عز و جل وكمال فاقته وفقره إليه وأن في كل ذرة من ذراته الظاهرة والباطنة فاقة تامة وضرورة كاملة إلى ربه تبارك وتعالى وأنه إن تخلى عنه طرفة عين هلك وخسر خسارة لا تجبر إلا أن يعود الله تعالى عليه ويتداركه برحمته
ولا طريق إلى الله أقرب من العبودية ولا حجاب أغلظ من الدعوى والعبودية مدارها على قاعدتين هما أصلها : حب كامل وذل تام ومنشأ هذين الأصلين عن ذينك الأصلي المتقدمين وهما مشاهدة المنة التي تورث المحبة ومطالعة عيب النفس والعمل التي تورث الذل التام وإذا كان العبد قد بنى سلوكه إلى الله تعالى على هذين الأصلين لم يظفر عدوه به إلا على غره وغيلة وما أسرع ما ينعشه الله عز و جل ويجبره ويتداركه برحمته( الوابل الصيب )
فضل كلمة لا حول ولا قوة إلا بالله
عن أبي موسى الأشعري t قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ألا أدلك على كنـز من كنوز الجنة؟" فقلت: بلى يا رسول الله قال: "لا حول ولا قوة إلا بالله".* [1]*
معناه : لا حول لا تحويل للعبد عن معصية الله إلا بعصمة الله ولا قوة له على طاعة الله إلا بتوفيق الله , وقيل معناه لا حيلة للعبد عن ترك معصية الله إلا بعصمة من الله ولا قوة له على طاعة الله إلا بتوفيق الله عز وجل .
وقد وردت أحاديث عدة في فضل كلمة لا حول ولا قوة إلا بالله نذكر منها ما رواه البخاري ومسلم عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ألا أعلمك كلمة هي كنز من كنوز الجنة؟ لا حول ولا قوة إلا بالله.
وروى أحمد في المسند عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أكثروا من قول: لا حول ولا قوة إلا بالله. فإنها كنز من كنوز الجنة.
كنـز من كنوز: سمي هذه الكلمة كنـزاً لنفاستها وصيانتها، ولا حول ولا قوة إلا بالله من ذخائر الجنة ومحصلات نفائسها ويحصل لقائله ثواباً نفيساً يدخر له في الجنة.
قال النووي رحمه الله تعالى: قوله صلى الله عليه وسلم : "لا حول ولا قوة إلا بالله كنـز من كنوز الجنة" قال العلماء : سبب ذلك أنها كلمة استسلام وتفويض إلى الله تعالى واعتراف بالإذعان له وأنه لا صانع غيره ولا راد لأمره وأن العبد لا يملك شيئاً من الأمر .
ومعنى الكنـز هنا : أنه ثواب مدخر في الجنة وهو ثواب نفيس كما أن الكنـز النفيس أموالكم .
لاحَوْلَ ولا قوّةَ إلا بالله : الحَوْل هاهنا الحَركَه. يقال حالَ الشَّخْصُ يحول إذا تَحَرَّك, المَعْنى: لاَحَركة وقوّة إلا بَمِشيئة الله تعالى. وقيل الحَوْل: الحِيله, والأوّل أشْبَه ، ومنه الحديث اللهم بك أصُول وبك أحُول أي اتَحّرك , وقيل أحْتال, وقيل أدْفع وأمنْع, من حالَ بين الشّيئين إذا مَنع أحدَهما عن الآخر . اهـ .* [2]*
وعن معاذ بن جبل t، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ألا ادلك على باب من أبواب الجنة" قال: وما هو؟ قال: "لا حول ولا قوة إلا بالله".* [3]*
وعن قيس بن سعد بن عبادة، أن أباهُ دفعه إلى النبي r يخدمه قال: فأتى عليّ النبي صلى الله عليه وسلم وقد صليت ركعتين فضربني برجله، وقال: "ألا أدلك على باب من أبواب الجنة" قلت: بلى، قال: "لا حول ولا قوة إلا بالله".* [4]*
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : لا حول ولا قوة الا بالله ، فإنها بها تحمل الأثقال ، وتكابد الأهوال ، وينال رفيع الاحوال .* [5]*
وعن أبي أيوب الأنصاري t، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أسري به مر على إبراهيم عليه السلام فقال: من معك يا جبريل؟ قال: هذا محمد فقال له إبراهيم عليه السلام: يا محمد مر أمتك فليكثروا من غراس الجنة فإن تربتها طيبة وأرضها واسعة قال: "ما غراس الجنة" قال: لا حول ولا قوة إلا بالله.* [6]*
غراس الجنة : وهو ما يغرس والغرس إنما يصلح في التربة الطيبة وينمو بالماء العذب سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم أي أعلمهم أن هذه الكلمات تورث قائلها الجنة وأن الساعي في اكتسابها لا يضيع سعيه لأنها المغرس الذي لا يتلف ما استودع فيه قاله التوربشتي . اهـ .* [7]*
وعن مصعب بن سعد عن أبيه قال: جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: علمني كلاماً أقوله قال: "قل لا إله إلا الله وحده لا شريك له الله أكبر كبيراً والحمد لله كثيراً وسبحان الله رب العالمين لا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم" قال فهؤلاء لربي فمالي؟ قال: "قل اللهم اغفر لي وارحمني واهدني وارزقني".* [8]*
قال ابن القيم : ويذكر عن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : "من كثرت همومه وغمومه فليكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله" ، وثبت في الصحيحين أنها كنـز من كنوز الجنة ، وفي الترمذي أنها باب من أبواب الجنة ، هذه الأدوية تتضمن خمسة عشر نوعا من الدواء فإن لم تقو على إذهاب داء الهم والغم والحزن فهو داء قد استحكم وتمكنت أسبابه ويحتاج إلى استفراغ كلي.
الأول : توحيد الربوبية .
الثاني : توحيد الإلهية .
الثالث : التوحيد العلمي الاعتقادي .
الرابع : تنـزيه الرب تعالى عن أن يظلم عبده أو يأخذه بلا سبب من العبد يوجب ذلك .
الخامس : اعتراف العبد بأنه هو الظالم .
السادس : التوسل إلى الرب تعالى بأحب الأشياء وهو اسماؤه وصفاته ومن اجمعها لمعاني الأسماء والصفات الحي القيوم .
السابع : الاستعانة به وحده .
الثامن : إقرار العبد له بالرجاء .
التاسع : تحقيق التوكل عليه والتفويض إليه والإعتراف له بأن ناصيته في يده يصرفه كيف يشاء وأنه ماض فيه حكمه عدل فيه قضاؤه .
العاشر : أن يرتع قلبه في رياض القرآن ويجعله لقلبه كالربيع للحيوان وأن يستضيء به في ظلمات الشبهات والشهوات وأن يتسلى به عن كل فائت ويتعزى به عن كل مصيبة ويستشفى به من أدواء صدره فيكون جلاء حزنه وشفاء همه وغمه .
الحادي عشر : الاستغفار .
الثاني عشر : التوبة .
الثالث عشر : الجهاد .
الرابع عشر : الصلاة .
الخامس عشر : البراءة من الحول والقوة وتفويضها إلى من هما بيده .اهـ
تنبيه : نجد في هذا الزمان ممن يختصر هذه الكلمة ويقول لا حول الله يارب ، وهذا الكلام لا يجوز وحرام لأن معناها يكون أن الله ليس له حول ولا قوة وهذا يكون كفراً ، ونحن نعلم أن هؤلاء لا يقصدون هذا القول المحرم ونحسب أن قصدهم طيب ولكن نقول لهم غيروا هذه العبارة إلى العبارة الصحيحة وهي لا حول ولا قوة إلا بالله ، لكي لا يقعوا في هذا المحذور الشرعي وكذلك لكي ينالوا هذا الأجر والثواب العظيم .
فائدة
عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( َالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَأُ الْمِيزَانَ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَآَنِ أَوْ تَمْلَأُ مَا بَيْنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) رواه مسلم
شرح الحديث
قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَأُ الْمِيزَانَ ) ذكر ابن علان ما مختصره : أي هذه الجملة بخصوصها لأنها أفضل صيغ الحمد ولذا بدئ بها الكتاب العزيز , والحمد لله : هو الثناء على الله بالجميل الاختياري و الإذعان له والرضا بقضائه .
والميزان : المراد منه حقيقته أي ما توزن به الأعمال , إما بأن تجسم الأعمال أو توزن صحائفها , فتطيش بالسيئة وتثقل بالحسنة .
وهذه الكلمة كان لها الثواب العظيم بحيث تملأ كفة الميزان مع سعتها , لأن معاني الباقيات الصالحات في ضمنها , لأن الثناء تارة يكون بإثبات الكمال , وتارة بنفي النقص , وتارة بالاعتراف بالعجز , وتارة بالتفرد بأعلى المراتب , والألف واللام في الحمد لاستغراق جنس المدح , والحمد مما علمناه وجهلناه , وإنما يستحق الإلهية من اتصف بذلك , فاندرج الجميع تحت ( َالْحَمْدُ لِلَّهِ )
وقوله ( وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَآَنِ أَوْ تَمْلَأُ مَا بَيْنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) شك من الراوي , والمعنى لا يختلف أي ( َسُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ ) تملأ ما بين السماوات و الأرض وذلك لأن هاتين الكلمتين مشتملتان على تنزيه الله من كل نقص في قوله ( َسُبْحَانَ اللَّهِ ) وعلى وصف الله بكل كمال في قوله ( َالْحَمْدُ لِلَّهِ ) , فقد جمعت هاتان الكلمتان بين التخلية والتحلية كما يقولون .
فالتسبيح : تنزيه الله عما لا يليق به في أسمائه وصفاته وأفعاله وأحكامه .
فالله منزه عن كل عيب في أسماءه وصفاته وأفعاله و أحكامه , لا تجد في أسمائه اسماً يشتمل على نقص أو على عيب ولهذا قال سبحانه و تعالى ( ولله الأسماء الحسنى ) الأعراف 180 , ولا تجد في صفاته صفة تشتمل على عيب أو نقص ولهذا قال تعالى ( ولله المثل الأعلى ) بعد قوله ( للذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السوء ولله المثل الأعلى ) النحل 60 .
فالله عز وجل له الوصف الأكمل الأعلى من جميع الوجوه , وله الكمال المنزه عن كل عيب في أفعاله كما قال تعالى ( وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما لاعبين ) الدخان 38 , فليس في خلق الله لعب ولهو وإنما هو خلق مبنى على الحكمة .
كذلك أحكامه لا تجد فيها عيباً ولا نقصاً كما قال الله ( أليس الله بأحكم الحاكمين ) التين 8 , وقال عز وجل ( أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون ) المائدة 50 الله عز وجل يحمد على كل حال وكان الرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا أصابه ما يسره قال ( الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ) , وإذا أصابه سوى قال ( الحمد لله على كل حال ) ثم إن ها هنا كلمة شاعت أخيراً عند كثيراً من الناس وهى قولهم ( الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه ) هذا حمد ناقص , لأن قولك على مكروه سواه تعبير يدل على قلة الصبر أو على عدم كمال الصبر , وأنك كاره لهذا الشئ ولا ينبغي للإنسان أن يعبر هذا التعبير , بل ينبغي له أن يعبر بما كان الرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعبر به فيقول الحمد لله على كل حال أو يقول الحمد لله الذي لا يحمد على كل حال سواه , أما التعبير الأول فإنه تعبير واضح على مضادة ما أصابه من الله عز وجل , وأنه كاره له , وأنا لا أقول إن الإنسان لا يكره مما أصابه من البلاء بطبيعة الإنسان أن يكره ذلك لكن لا تعلن هذا بلسانك في مقام الثناء على الله بل عبر كما عبر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . شرح رياض الصالحين – العثيمين
معنى التسبيح والتحميد ( سبحان الله وبحمده )
أولا :
كلمة التسبيح " سبحان الله " تتضمن أصلا عظيما من أصول التوحيد ، وركنا أساسيا من أركان الإيمان بالله عز وجل ، وهو تنزيهه سبحانه وتعالى عن العيب ، والنقص ، والأوهام الفاسدة ، والظنون الكاذبة .
وأصلها اللغوي يدل على هذا المعنى ، فهي مأخوذة من " السَّبْح " : وهو البُعد :
يقول العلامة ابن فارس : " العرب تقول : سبحان مِن كذا ، أي ما أبعدَه . قال الأعشى :
سُبحانَ مِنْ علقمةَ الفاخِر أقولُ لمّا جاءني فخرُهُ
وقال قوم : تأويلُهُ عجباً له إِذَا يَفْخَر . وهذا قريبٌ من ذاك ؛ لأنَّه تبعيدٌ له من الفَخْر " انتهى.
"معجم مقاييس اللغة" (3/96)
فتسبيح الله عز وجل إبعاد القلوب والأفكار عن أن تظن به نقصا ، أو تنسب إليه شرا ، وتنزيهه عن كل عيب نسبه إليه المشركون والملحدون .
وبهذا المعنى جاء السياق القرآني :
قال تعالى : ( مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ ) المؤمنون/91
( وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ . سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ ) الصافات/158-159
( هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ ) الحشر/23
ومنه أيضا ما رواه الإمام أحمد في "المسند" (5/384) عن حذيفة رضي الله عنه – في وصف قراءة النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الليل - قال : ( وَإِذَا مَرَّ بِآيَةٍ فِيهَا تَنْزِيهٌ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ سَبَّحَ ) صححه الألباني في صحيح الجامع (4782) ومحققو المسند .
وقد روى الإمام الطبراني في كتابه "الدعاء" مجموعة من الآثار في تفسير هذه الكلمة ، جمعها في باب : " تفسير التسبيح " (ص/498-500) ، ومما جاء فيه :
عن ابن عباس رضي الله عنهما :
" سبحان الله " : تنزيه الله عز وجل عن كل سوء .
وعن يزيد بن الأصم قال :
جاء رجل إلى ابن عباس رضي الله عنهما فقال :
" لا إله إلا الله " نعرفها : لا إله غيره ، و " الحمد لله " نعرفها : أن النعم كلها منه ، وهو المحمود عليها ، و " الله أكبر " نعرفها : لا شي أكبر منه ، فما " سبحان الله " ؟
قال : كلمة رضيها الله عز وجل لنفسه ، وأمر بها ملائكته ، وفزع لها الأخيار من خلقه .
وعن عبد الله بن بريدة يحدث أن رجلا سأل عليا رضي الله عنه عن " سبحان الله " ، فقال : تعظيم جلال الله .
وعن مجاهد قال :
التسبيح : انكفاف الله من كل سوء .
وعن ميمون بن مهران قال :
" سبحان الله " : تعظيم الله اسم يعظم الله به .
وعن الحسن قال :
" سبحان الله " : اسم ممنوع لم يستطع أحد من الخلق أن ينتحله .
وعن أبي عبيدة معمر بن المثنى :
" سبحان الله " : تنزيه الله وتبرئته .
وقال الطبراني : حدثنا الفضل بن الحباب قال : سمعت ابن عائشة يقول :
العرب إذا أنكرت الشيء وأعظمته قالت : " سبحان " ، فكأنه تنزيه الله عز وجل عن كل سوء لا ينبغي أن يوصف بغير صفته ، ونصبته على معنى تسبيحا لله .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" والأمر بتسبيحه يقتضي أيضا تنزيهه عن كل عيب وسوء ، وإثبات صفات الكمال له ، فإن التسبيح يقتضي التنزيه ، والتعظيم ، والتعظيم يستلزم إثبات المحامد التي يحمد عليها ، فيقتضي ذلك تنزيهه ، وتحميده ، وتكبيره ، وتوحيده " انتهى.
"مجموع الفتاوى" (16/125)
ثانيا :
أما معنى ( وبحمده ) فهي - باختصار – تعني الجمع بين التسبيح والحمد ، إما على وجه الحال ، أو على وجه العطف ، والتقدير : أسبح الله تعالى حال كوني حامدا له ، أو أسبح الله تعالى وأحمده .
يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله :
" قوله : ( وبحمده )
قيل : الواو للحال ، والتقدير : أسبح الله متلبسا بحمدي له [أي : محافظا ومستمسكا] من أجل توفيقه.
وقيل : عاطفة ، والتقدير : أسبح الله وأتلبس بحمده ...
ويحتمل أن تكون الباء متعلقة بمحذوف متقدم ، والتقدير : وأثني عليه بحمده ، فيكون سبحان الله جملة مستقلة ، وبحمده جملة أخرى .
وقال الخطابي في حديث : ( سبحانك اللهم ربنا وبحمدك ) أي : بقوتك التي هي نعمة توجب علي حمدك ، سبحتك ، لا بحولي وبقوتي ، كأنه يريد أن ذلك مما أقيم فيه السبب مقام المسبب " انتهى.
"فتح الباري" (13/541) ، وانظر " النهاية في غريب الحديث " لابن الأثير (1/457)
والله أعلم.
وقد قال العلامه العثيمين -
قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم (سبحان الله وبحمده عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته) السؤال: ما معنى (رضا نفسه، وزنة عرشه)؟ الجواب: (رضا نفسه): يعني حمداً أبلغ به رضا الله، (زنة عرشه): يعني لعظمته يزن العرش، وزنة العرش ما يعلمها إلا الله، لأنها عظيمة، و(مداد كلماته) -أيضاً- مداد الكلمات يقول الله عز وجل: قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وعلى هذا فيكون المعنى أنه واسع كثير جداً. .
فائدة من حديث استفتاح الصلاة
قال أبو هريرة رضي الله عنه : [ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استفتح الصلاة سكت هنيهة قبل أن يقرأ فقلت : يا رسول الله بأبي وأمي أرأيت سكوتك بين التكبير والقراءة ما تقول ؟ قال : أقول : اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس اللهم نقني من اغسلني من خطاياي بالثلج والماء والبرد ] متفق عليه
[ وعن جبير بن مطعم أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي صلاة قال : الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا و سبحان الله بكرة وأصيلا ( ثلاثا ) أعوذ بالله من الشيطان الرجيم من نفخه ونفثه : الشعر وهمزه : الموتة ] خرجه أبو داود
وعن عائشة رضي الله عنها وأبي سعيد وغيرهما : [ أن النبي كان إذا افتتح الصلاة قال : سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك و تعالى جدك ولا إله غيرك ] خرجه الأربعة وخرج مسلم عن عمر رضي الله عنه أنه كبر ثم استفتح به
وقال علي رضي الله عنه [ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة قال : وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت أنت ربي وأنا عبدك ظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي جميعا إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت واصرف عني سيئها إلا أنت لبيك وسعديك والخير كله في يديك والشر ليس إليك
- ( إعلم أن مذهب أهل الحق من المحدثين والفقهاء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من علماء المسلمين : أن جميع الكائنات خيرها وشرها نفعها وضرها كلها من الله تعالى وبإرادته وتقديره فلا بد من تأويل الحديث فذكر العلماء فيه أجوبة أحدها وهو أشهرها قاله النضر بن شميل والأئمة بعده - أن معناه والشر لا يتقرب ( به ) إليك
والثاني : لا يصعد إليك إنما يصعد الكلم الطيب
والثالث : لا يضاف إليك أدبا فلا يقال يا خالق الشر وإن كان خالقه كما لا يقال : يا خالق الخنازير وإن كان خالقها
والرابع : ليس شرا بالنسبة إلى حكمتك فإنك لا تخلق شيئا عبثا )
( فائدة من كتاب بهجة قلوب الابرارللسعدي)
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : « أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو ، فيقول : اللهم إني أسألك الهدى والتقى ، والعفاف والغنى » رواه مسلم .
هذا الدعاء « اللهم إني أسألك الهدى والتقى » من أجمع الأدعية وأنفعها . وهو يتضمن سؤال خير الدين وخير الدنيا ، فإن " الهدى " هو العلم النافع . " والتقى " العمل الصالح ، وترك ما نهى الله ورسوله عنه . وبذلك يصلح الدين ، فإن الدين علوم نافعة ، ومعارف صادقة ، فهي الهدى ، وقيام بطاعة الله ورسوله ، فهو التقى .
و « العفاف والغنى » يتضمن العفاف عن الخلق ، وعدم تعليق القلب بهم . والغنى بالله وبرزقه ، والقناعة بما فيه ، وحصول ما يطمئن به القلب من الكفاية . وبذلك تتم سعادة الحياة الدنيا ، والراحة القلبية ، وهي الحياة الطيبة .
فمن رزق الهدى والتقى ، والعفاف والغنى ، نال السعادتين ، وحصل له كل مطلوب ، ونجا من كل مرهوب . والله أعلم
فائدة من حديث الكرب
قوله في حديث الكرب الذي رواه أحمد من حديث ابن مسعود: (اللهم إني عبدك، ابن عبدك، ابن أمتك، ناصيتي بيدك، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدًا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن رَبِيعَ قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذَهَاب همي وغَمِّي إلا أذهب الله همه وغمه، وأبدله به فرحًا).
الربيع: هو المطر المنبت للربيع، ومنه قوله في دعاء الاستسقاء: (اللهم اسقنا غَيثًا مُغِيثًا، ربيعًا، مُرْبِعًا) وهو المطر الوَسْمِي الذي يَسِمُ الأرض بالنبات، ومنه قوله: (القرآن ربيع للمؤمن). فسأل الله أن يجعله ماء يحيي به قلبه كما يحيي الأرض بالربيع، ونورًا لصدره.
والحياة والنور جماع الكمال، كما قال: {أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ} [الأنعام: 122] ، وفي خطبة أحمد بن حنبل: يحيون بكتاب الله الموتي، ويُبَصِّرون بنور الله أهل العمي؛ لأنه بالحياة يخرج عن الموت، وبالنور يخرج عن ظلمة الجهل، فيصير حيًا عالمًا ناطقًا، وهو كمال الصفات في المخلوق. وكذلك قد قيل في الخالق، حتى النصارى فسروا الأب والابن وروح القدس بالموجود الحي العالم. والغزالي رد صفات الله إلى الحي العالم، وهو موافق في المعني لقول الفلاسفة: عاقل، ومعقول، وعقل؛ لأن العلم يتبع الكلام الخبري، ويستلزم الإرادة، والكلام الطلبي؛ لأن كل حي عالم فله إرادة وكلام، ويستلزم السمع والبصر، لكن هذا ليس بجيد؛ لأنه يقال: فالحي نفسه مستلزم لجميع الصفات، وهو أصلها؛ ولهذا كان أعظم آية في القرآن: {اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة: 255] . وهو الاسم الأعظم؛ لأنه ما من حي إلا وهو شاعر مريد، فاستلزم جميع الصفات، فلو اكتفي في الصفات بالتلازم لاكتفي بالحي، وهذا ينفع في الدلالة والوجود، لكن لا يصح أن يجعل معني العالم هو معني المريد، فإن الملزوم ليس هو عين اللازم، وإلا فالذات المقدسة مستلزمة لجميع الصفات.
فإن قيل: فلِمَ جمع في المطلوب لنا بين ما يوجب الحياة والنور فقط دون الاقتصار على الحياة، أو الازدياد من القدرة وغيرها؟
قيل: لأن الأحياء الآدميين فيهم من يهتدي إلى الحق، وفيهم من لا يهتدي. فالهداية كمال الحياة، وأما القدرة فشرط فيالتكليف لا في السعادة، فلا يضر فَقْدها، ونور الصدر يمنع أن يريد سواه.
ثم قوله: (ربيع قلبي ونور صدري) لأنه ـ والله أعلم ـ الحَيَا لا يتعدي محله، بل إذا نزل الربيع بأرض أحياها. أما النور، فإنه ينتشر ضوؤه عن محله. فلما كان الصدر حاويًا للقلب جعل الربيع في القلب والنور في الصدر لانتشاره، كما فسرته المشكاة في قوله: {مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ} [النور:35] ، وهو القلب.
رب الذي رواه أحمد من حديث ابن مسعود: (اللهم إني عبدك، ابن عبدك، ابن أمتك، ناصيتي بيدك، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدًا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن رَبِيعَ قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذَهَاب همي وغَمِّي إلا أذهب الله همه وغمه، وأبدله به فرحًا).
الربيع: هو المطر المنبت للربيع، ومنه قوله في دعاء الاستسقاء: (اللهم اسقنا غَيثًا مُغِيثًا، ربيعًا، مُرْبِعًا) وهو المطر الوَسْمِي الذي يَسِمُ الأرض بالنبات، ومنه قوله: (القرآن ربيع للمؤمن). فسأل الله أن يجعله ماء يحيي به قلبه كما يحيي الأرض بالربيع، ونورًا لصدره.
والحياة والنور جماع الكمال، كما قال: {أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ} [الأنعام: 122] ، وفي خطبة أحمد بن حنبل: يحيون بكتاب الله الموتي، ويُبَصِّرون بنور الله أهل العمي؛ لأنه بالحياة يخرج عن الموت، وبالنور يخرج عن ظلمة الجهل، فيصير حيًا عالمًا ناطقًا، وهو كمال الصفات في المخلوق. وكذلك قد قيل في الخالق، حتى النصارى فسروا الأب والابن وروح القدس بالموجود الحي العالم. والغزالي رد صفات الله إلى الحي العالم، وهو موافق في المعني لقول الفلاسفة: عاقل، ومعقول، وعقل؛ لأن العلم يتبع الكلام الخبري، ويستلزم الإرادة، والكلام الطلبي؛ لأن كل حي عالم فله إرادة وكلام، ويستلزم السمع والبصر، لكن هذا ليس بجيد؛ لأنه يقال: فالحي نفسه مستلزم لجميع الصفات، وهو أصلها؛ ولهذا كان أعظم آية في القرآن: {اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة: 255] . وهو الاسم الأعظم؛ لأنه ما من حي إلا وهو شاعر مريد، فاستلزم جميع الصفات، فلو اكتفي في الصفات بالتلازم لاكتفي بالحي، وهذا ينفع في الدلالة والوجود، لكن لا يصح أن يجعل معني العالم هو معني المريد، فإن الملزوم ليس هو عين اللازم، وإلا فالذات المقدسة مستلزمة لجميع الصفات.
فإن قيل: فلِمَ جمع في المطلوب لنا بين ما يوجب الحياة والنور فقط دون الاقتصار على الحياة، أو الازدياد من القدرة وغيرها؟
قيل: لأن الأحياء الآدميين فيهم من يهتدي إلى الحق، وفيهم من لا يهتدي. فالهداية كمال الحياة، وأما القدرة فشرط فيالتكليف لا في السعادة، فلا يضر فَقْدها، ونور الصدر يمنع أن يريد سواه.
ثم قوله: (ربيع قلبي ونور صدري) لأنه ـ والله أعلم ـ الحَيَا لا يتعدي محله، بل إذا نزل الربيع بأرض أحياها. أما النور، فإنه ينتشر ضوؤه عن محله. فلما كان الصدر حاويًا للقلب جعل الربيع في القلب والنور في الصدر لانتشاره، كما فسرته المشكاة في قوله: {مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ} [النور:35] ، وهو القلب.
فائدة من كتاب بحر الفوائد للكلاباذي
عن البراء رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال لرجل : « إذا آويت إلى فراشك ، فقل : اللهم إني أسلمت نفسي إليك ، ووجهت وجهي إليك ، وألجأت ظهري إليك ، وفوضت أمري إليك ، رغبة ، ورهبة منك ، وإليك ، لا ملجأ ومنجا منك إلا إليك ، آمنت بكتابك الذي أنزلت ، ونبيك الذي أرسلت ، فإنك إن مت مت على الفطرة » زاد أبو الأحوص : « وإن أصبحت أصبت خيرا »
وقوله : « أسلمت نفسي إليك » ، تسليم المبيع إلى المشتري طوعا . وقوله : « وجهت وجهي إليك » هو الإقبال عليه ، والإعراض عما دونه .
وقوله : « ألجأت ظهري إليك » هو الاعتماد عليه . وقوله : « فوضت أمري إليك » هو التوكل عليه ، رغبة إليه دون ما سواه من ملاذ النفس ، ومرافقها ، ورهبة منه ، لا من آلام النفوس ، ومكارهها ؛ لأن من سلم نفسه ، وفوض أمره ، فمطالبته حظوظ نفسه ، واتساق أموره مما لا يعنيه ، إذ ليس ذلك له ، وإليه ، ومن توجه إليه ، وأقبل عليه لم يلتفت إلى شيء دونه ، ومن كان كذلك لم تكن رغبته في شيء دونه ، ولا يريد غيره ، ولا يطلب إلا رضاه ، والقربة منه ، والزلفى لديه ، ومن اعتمد في أحواله عليه ، وتوكل فيما يعامله به عليه ، فقد احترز من جميع المكاره ، بل تفرغ منها له فلا يخاف شيئا سواه ، ولا يرهب إلا منه ؛ لأنه ما عنده باق ، وإنما ينفذ ما عند غيره ، فهذا عبد لا يرى غير ربه ، ولا يطالع غير سيده ، ولا يراقب إلا مولاه ، فكأنه ليس في الدار غيره ، ولا للملك سواه . قال الله تعالى : لمن الملك اليوم لله الواحد القهار (1) (سورة : غافر آية رقم : 16 )، فاليوم يوم ، وغدا يوم ، والأيام كلها يوم واحد ، لا مصرف لها إلا واحد ، ولا مدبر فيها إلا واحد ، فله الملك اليوم ، يفعل في خلقه ما يشاء من تعريف عباده ، وتغيير الأحوال في بلاده ، ويفعل فيهم ما يشاء ، ويحكم فيهم ما يريد ، له الخلق والأمر ، تبارك الله رب العالمين ، وله الملك غدا إذا أفنى عباده ، وطوى بلاده ، لا أحد ينازعه ، ولا مجيب يجاوره ، فالملك اليوم وغدا لله الواحد القهار ، لا ملجأ منه ، ولا منجا يخاطبه من الله إلا إليه ، منه المفر ، وإليه المقر ، ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين ، تبارك الله رب العالمين
معنى الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم
أولاً :
أما " الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم " فمعناها - عند جمهور العلماء - : من الله تعالى : الرحمة ، ومن الملائكة : الاستغفار ، ومن الآدميين : الدعاء ، وذهب آخرون – ومنهم أبو العالية من المتقدمين ، وابن القيم من المتأخرين ، وابن عثيمين من المعاصرين – إلى أن معنى " الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم " هو الثناء عليه في الملأ الأعلى ، ويكون دعاء الملائكة ودعاء المسلمين بالصلاة عليه صلى الله عليه وسلم بأن يثني الله تعالى عليه في الملأ الأعلى ، وقد ألَّف ابن القيم – رحمه الله – كتاباً في هذه المسألة ، سمّاه " جلاء الأفهام في فضل الصلاة والسلام على خير الأنام " وقد توسع في بيان معنى الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، وأحكامها ، وفوائدها ، فلينظره من أراد التوسع .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :
" قوله : " صلِّ على محمد " قيل : إنَّ الصَّلاةَ مِن الله : الرحمة ، ومن الملائكة : الاستغفار ، ومن الآدميين : الدُّعاء .
فإذا قيل : صَلَّتْ عليه الملائكة ، يعني : استغفرت له .
وإذا قيل : صَلَّى عليه الخطيبُ ، يعني : دعا له بالصلاة .
وإذا قيل : صَلَّى عليه الله ، يعني : رحمه .
وهذا مشهورٌ بين أهل العلم ، لكن الصحيح خِلاف ذلك ، أن الصَّلاةَ أخصُّ من الرحمة ، ولذا أجمع المسلمون على جواز الدُّعاء بالرحمة لكلِّ مؤمن ، واختلفوا : هل يُصلَّى على غير الأنبياء ؟ ولو كانت الصَّلاةُ بمعنى الرحمة لم يكن بينهما فَرْقٌ ، فكما ندعو لفلان بالرحمة نُصلِّي عليه .
وأيضاً : فقد قال الله تعالى : ( أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ) البقرة157 ، فعطف " الرحمة " على " الصلوات " والعطفُ يقتضي المغايرة فتبيَّن بدلالة الآية الكريمة ، واستعمال العلماء رحمهم الله للصلاة في موضع والرحمة في موضع : أن الصَّلاة ليست هي الرحمة .
وأحسن ما قيل فيها : ما ذكره أبو العالية رحمه الله أنَّ صلاةَ الله على نبيِّه : ثناؤه عليه في الملأ الأعلى .
فمعنى " اللَّهمَّ صَلِّ عليه " أي : أثنِ عليه في الملأ الأعلى ، أي : عند الملائكة المقرَّبين .
فإذا قال قائل : هذا بعيد مِن اشتقاق اللفظ ؛ لأن الصَّلاة في اللُّغة الدُّعاء وليست الثناء : فالجواب على هذا : أن الصلاة أيضاً من الصِّلَة ، ولا شَكَّ أن الثناء على رسول الله صلى الله عليه وسلم في الملأ الأعلى من أعظم الصِّلات ؛ لأن الثناء قد يكون أحياناً عند الإنسان أهمُّ من كُلِّ حال ، فالذِّكرى الحسنة صِلَة عظيمة .
وعلى هذا فالقول الرَّاجح : أنَّ الصَّلاةَ عليه تعني : الثناء عليه في الملأ الأعلى " انتهى .
" الشرح الممتع " ( 3 / 163 ، 164 ) .
ثانياً :
وأما معنى " السلام عليه صلى الله عليه وسلم " : فهو الدعاء بسلامة بدنه – في حال حياته - ، وسلامة دينه صلى الله عليه وسلم ، وسلامة بدنه في قبره ، وسلامته يوم القيامة .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :
قوله : " السلام عليك " : " السَّلام " قيل : إنَّ المراد بالسَّلامِ : اسمُ الله ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إنَّ اللَّهَ هو السَّلامُ " كما قال الله تعالى في كتابه : ( الملك القدوس السلام ) الحشر/23 ، وبناءً على هذا القول يكون المعنى : أنَّ الله على الرسول صلى الله عليه وسلم بالحِفظ والكَلاءة والعناية وغير ذلك ، فكأننا نقول : اللَّهُ عليك ، أي : رقيب حافظ مُعْتَنٍ بك ، وما أشبه ذلك .
وقيل : السلام : اسم مصدر سَلَّمَ بمعنى التَّسليم ، كما قال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ) الأحزاب/56 فمعنى التسليم على الرسول صلى الله عليه وسلم : أننا ندعو له بالسَّلامة مِن كُلِّ آفة .
إذا قال قائل : قد يكون هذا الدُّعاء في حياته عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ واضحاً ، لكن بعد مماته كيف ندعو له بالسَّلامةِ وقد مات صلى الله عليه وسلم ؟
فالجواب : ليس الدُّعاءُ بالسَّلامة مقصوراً في حال الحياة ، فهناك أهوال يوم القيامة ، ولهذا كان دعاء الرُّسل إذا عَبَرَ النَّاسُ على الصِّراط : " اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ " ، فلا ينتهي المرءُ مِن المخاوف والآفات بمجرد موته .
إذاً ؛ ندعو للرَّسول صلى الله عليه وسلم بالسَّلامةِ من هول الموقف .
ونقول - أيضاً - : قد يكون بمعنى أعم ، أي : أنَّ السَّلامَ عليه يشمَلُ السَّلامَ على شرعِه وسُنَّتِه ِ، وسلامتها من أن تنالها أيدي العابثين ؛ كما قال العلماءُ في قوله تعالى : ( فردوه إلى الله والرسول ) النساء/59 ، قالوا : إليه في حياته ، وإلى سُنَّتِهِ بعد وفاته .
وقوله : " السلام عليك " هل هو خَبَرٌ أو دعاءٌ ؟ يعني : هل أنت تخبر بأن الرسولَ مُسَلَّمٌ ، أو تدعو بأن الله يُسلِّمُه ؟
الجواب : هو دُعاءٌ تدعو بأنَّ الله يُسلِّمُه ، فهو خَبَرٌ بمعنى الدُّعاء .
ثم هل هذا خطاب للرَّسول عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ كخطابِ النَّاسِ بعضهم بعضاً ؟ .
الجواب : لا ، لو كان كذلك لبطلت الصَّلاة به ؛ لأن هذه الصلاة لا يصحُّ فيها شيء من كلام الآدميين ؛ ولأنَّه لو كان كذلك لجَهَرَ به الصَّحابةُ حتى يَسمعَ النبي صلى الله عليه وسلم ، ولردَّ عليهم السَّلام كما كان كذلك عند ملاقاتِهم إيَّاه ، ولكن كما قال شيخ الإسلام في كتاب " اقتضاء الصراط المستقيم " : لقوَّة استحضارك للرسول عليه الصَّلاةُ والسَّلام حين السَّلامِ عليه ، كأنه أمامك تخاطبه .
ولهذا كان الصَّحابةُ يقولون : السلام عليك ، وهو لا يسمعهم ، ويقولون : السلام عليك ، وهم في بلد وهو في بلد آخر ، ونحن نقول : السلام عليك ، ونحن في بلد غير بلده ، وفي عصر غير عصره " انتهى .
" الشرح الممتع " ( 3 / 149 ، 150 ) .