الفصل الأول
بين يدي السورة
اسمائها وما ورد في فضلها وعدد اياتها والمعني الاجمالي للسورة
سورة الفاتحة سميت هذه السورة بالفاتحة; لأنه يفتتح بها القرآن العظيم، ولها أسماء أخر.منها
: الفاتحة، أي فاتحة الكتاب خطا، وبها تفتح (1) القراءة في الصلاة (2)
ويقال لها أيضا: أم الكتاب عند الجمهور، وكره أنس، والحسن وابن سيرين كرها تسميتها بذلك، قال الحسن وابن سيرين: إنما ذلك اللوح المحفوظ، وقال الحسن :الآيات المحكمات :هن أم الكتاب، ولذا كرها (3) -أيضا -أن يقال لها أم القرآن وقد ثبت في[الحديث] (4) الصحيح عند الترمذي وصححه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الحمد لله أم القرآن وأم الكتاب والسبع المثاني والقرآن العظيم "
ويقال لها: الحمد، ويقال لها:الصلاة، لقوله عليه السلام (5) عن ربه: " قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فإذا قال العبد: الحمد لله رب العالمين، قال الله: حمدني عبدي " الحديث. فسميت الفاتحة: صلاة؛ لأنها شرط فيها. ويقال لها: الشفاء؛ لما رواه الدارمي عن أبي سعيد مرفوعا: " فاتحة الكتاب شفاء من كل سم (6) " . ويقال لها:الرقية؛ لحديث أبي سعيد في الصحيح حين رقى بها الرجل السليم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " وما يدريك أنها رقية؟ " .
وروى الشعبي عن ابن عباس أنه سماها: أساس القرآن، قال: فأساسها (7) بسم الله الرحمن الرحيم،
وسماها سفيان بن عيينة: الواقية.
وسماها يحيى بن أبي كثير: الكافية؛ لأنها تكفي عما عداها ولا يكفي ما سواها عنها، كما جاء في بعض الأحاديث المرسلة: " أم القرآن عوض من غيرها، وليس غيرها عوضا عنها " (
.
ويقال لها: سورة الصلاة والكنز ذكرهما الزمخشري في كشافه. وهي مكية، قاله (9) ابن عباس وقتادة وأبو العالية، وقيل مدنية، قاله (10) أبو هريرة ومجاهد وعطاء بن يسار والزهري. ويقال: نزلت مرتين: مرة بمكة، ومرة بالمدينة، والأول أشبه لقوله تعالى: { وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي } [الحجر: 87]، والله أعلم (11) . وحكى أبو الليث السمرقندي أن نصفها نزل بمكة ونصفها الآخر نزل بالمدينة، وهو غريب جدًا، نقله القرطبي عنه. وهي سبع آيات بلا خلاف،
__________
(1) زيادة من جـ، ط.
(2) المسند (5/26).
(3) في جـ: "التميمي".
(4) المسند (5/26) وأبو عثمان لم يوثقه سوى ابن حبان وأبوه لا يعرف، وقد اتضح أن الحديث مضطرب، اختلف فيه على سليمان التميمي.
(5) سنن أبي داود برقم (3121) وسنن النسائي الكبرى برقم (10913) وسنن ابن ماجة برقم (1448).
(6) سنن الترمذي برقم (2878) ورواه الحاكم في المستدرك (2/259) من طريق حكيم بن جبير به.
(7) في أ: "سهل".
(
المسند (2/284) وصحيح مسلم برقم (780) وسنن الترمذي برقم (2877) وسنن النسائي الكبرى برقم (8015).
(9) في جـ: "أبي".
(10) فضائل القرآن (ص121).
(11) فضائل القرآن لأبي عبيد (ص121) وسنن النسائي الكبرى برقم (10800) والمستدرك (2/260).
في فضل فاتحة الكتاب( مختصر تفسير البغوى)
قال رسول الله صَلَّى اللَّه عَلَيْه وَسَلَّمَ : « والذي نفسي بيده ما أنزل في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في القرآن مثلها وإنها لهي السبع المثاني التي آتاني الله عز وجل » ، هذا حديث حسن صحيح (1) .
وعن ابن عباس قال : « بينا رسول الله صَلَّى اللَّه عَلَيْه وَسَلَّمَ وعنده جبريل إذ سمع نقيضًا من فوقه ، فرفع جبريل بصره إلى السماء فقال : هذا باب فتح من السماء ما فتح قط ، قال : فنزل منه ملك فأتى النبي صَلَّى اللَّه عَلَيْه وَسَلَّمَ فقال : " أبشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك ، فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة لن تقرأ حرفًا منهما إلا أعطيته » ، صحيح (2) .
وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صَلَّى اللَّه عَلَيْه وَسَلَّمَ : « من صلّى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج غير تمام » .
_________
(1) رواه الترمذي في فضائل القرآن باب ما جاء في فضل فاتحة الكتاب 8 / 178 - 180 ، وأحمد في المسند 2 / 412 - 413 ، وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما والحاكم وقال الحاكم : صحيح على شرط مسلم . انظر الترغيب والترهيب للمنذري 2 / 367 ، وأخرجه المصنف في شرح السنة 4 / 446 ، 447 .
(2) رواه مسلم في صلاة المسافرين برقم ( 806 ) 1 / 554 ، والنسائي في افتتاح الصلاة 2 / 138 والمصنف في شرح السنة 4 / 466 .
وعن أبي هريرة قال : « سمعت رسول الله صَلَّى اللَّه عَلَيْه وَسَلَّمَ يقول : " قال الله عز وجل : قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين نصفها لي ونصفها لعبدي ولعبدي ما سأل " قال رسول الله صَلَّى اللَّه عَلَيْه وَسَلَّمَ : " اقرؤوا يقول العبد { الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } يقول الله : حمدني عبدي ، يقول العبد : { الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } يقول الله : أثنى علي عبدي ، يقول العبد : { مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ } ، يقول الله : مجدني عبدي ، يقول العبد : { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } ، يقول الله عز وجل : هذه الآية بيني وبين عبدي ، ولعبدي ما سأل ، يقول العبد : { اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ }{ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ } ، يقول الله : ( فهؤلاء لعبدي ولعبدي ما سأل ) » ، صحيح (1) .
_________
(1) رواه مسلم في الصلاة باب وجوب قراءة الفاتحة رقم ( 395 ) 1 / 296 ، والمصنف في شرح السنة 3 / 47 .
المبحث الثاني
التفسير الاجمالي للسورة من تفسير المنتخب
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7)
1- تبتدئ باسم الله الذى لا معبود بحق سواه ، والمتصف بكل كمال ، المنزه عن كل نقص ، وهو صاحب الرحمة الذى يفيض بالنعم جليلها ودقيقها ، عامها وخاصها ، وهو المتصف بصفة الرحمة الدائمة .
2- الثناء الجميل بكل أنواعه وعلى كل حال لله وحده ، ونثنى عليه الثناء كله لأنه منشئ المخلوقات والقائم عليها .
3- وهو صاحب الرحمة الدائمة ومصدرها ، ينعم بكل النعم صغيرها وكبيرها .
4- وهو وحده المالك ليوم الجزاء والحساب وهو يوم القيامة ، يتصرف فيه لا يشاركه أحد فى التصرف ولو فى الظاهر .
5- لا نعبد إلا إياك ، ولا نطلب المعونة إلا منك .
6- نسألك أن توفقنا إلى طريق الحق والخير والسعادة .
7- وهو طريق عبادك الذين وفقتهم إلى الإيمان بك ، ووهبت لهم نعمتى الهداية والرضا ، لا طريق الذين استحقوا غضبك وضلوا عن طريق الحق والخير لأنهم أعرضوا عن الإيمان بك والإذعان لهديك .