الفصل الثاني
بيان معنى الغضب وانواعه
( مصدر هذا المبحث بحث منشور علي النت بعنوان الغضب)
• المبحث الأول: الغضب لغة واصطلاحا
المطلب الأول: الغضب لغة
الغضب لغة: «نقيض الرضا، وقد غضب عليه غضبا ومغضبة، وأغضبته أنا فتغضب، وغضب له: غضب على غيره من أجله، وذلك إذا كان حيان فإن كان ميتا قلت: غضب به، وغاضبت الرجل، أغضبته وأغضبني وغاضبه راغمه، وفي التنزيل العزيز ﴿ذا النون إذ ذهب مغاضبا﴾( )، قيل مغاضبا لربه، وقيل مغاضبا لقومه، والأول أصح لأن العقوبة لم تحل به إلا لمغاضبته ربه، وقيل ذهب مراغما لقومه وامرأة غضوب أي عبوس وقولهم غضب الخيل على اللجم، كنوا بغضبها عن عضها على اللجم كأنها إنما تعضه لذلك...
واستعاره الراعي للقدر فقال:
إذا أحمشوها بالوقود تغضبت على اللحم حتى تترك العظم باديا
وإنما يريد أنها يشتد غليانها فينضج ما فيها حتى ينفصل اللحم من العظم...
والغَضُوب: الحية الخبيثة والغُضاب: الجذري... والمغضوب: الذي قد ركبه الجدري...
وغُضِبَ بصر فلان: إذا انتفخ من داء يصيبه يقال لـه الغضاب، والغِضاب... وغضبت عينه وغُضبت ورم ما حولها، وقال الفراء: الغُضابي: الكدر في معاشرته ومخالقته... والغَضَبُ: الثور والغَضْبُ: الأحمر الشديد الحمرة»( ).
قال الأزهري في تهذيب اللغة: «قال الليث: رجل غَضُوب: شديد الغضب، قال أبو عبيدة عن الفراء: رجل غُضُبَّةٌ وغَضَبَّةٌ بفتح العين وضمها إذا كان يغضب سريعا»( ). وزاد صاحب القاموس صفات أخرى لسريع الغضب هي: غَضِبٌ وغُضُبٌّ وغضبان، وهي غضبى وغضوب، وغضبانة قليلة( )*.
المطلب الثاني: الغضب في الاصطلاح:
عرف العلماء الغضب بتعريفات كثيرة، منها ما ذكره الإمام الغزالي فقال أن الغضب هو: «غليان دم القلب بطلب الانتقام»( )، ونجد الراغب الأصفهاني عرف الغضب بأنه: «ثوران القلب وإرادة الانتقام»( )، أما ابن الملقن فقال أنه: «فوران القلب وغليانه لإرادة الانتقام» ( ).
هذه التعريفات وإن اختلفت بعض ألفاظها إلا أنها أجمعت على أن الغضب حالة نفسية تصيب الإنسان عند حدوث بعض الأمور المهيجة له، فينتج عنه ارتفاع ضغط الدم، وتغير اللون وانتفاخ العروق.
فحقيقته أنه جمرة يلقيها الشيطان في قلب الآدمي، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في شأن الغضب أنه: «جمرة في قلب ابن آدم أما رأيتم إلى حمرة عينيه وانتفاخ أوداجه»( ).
ومن الناحية الطبية فإن هذا الغليان ينتج عن غدد تسمى "الأردنالية" عندما يغضب ابن آدم تفرز مادة الأدرنالين في الدم، فيسبب ذلك ارتفاعا في ضغط الدم، فيضغط الدم على القلب، وينتشر في العروق ويرتفع إلى أعالي البدن كما يرتفع الماء الذي يغلي في القدور، ولذلك يحمر الوجه والعين والبشرة، وكل ذلك يحكي لون ما وراءه من حمرة الدم، كما تحكي الزجاجة لون ما فيها، وهذا الغليان يتفاوت بتفاوت القدرة على الانتقام، فإن علم القدرة على من غضب عليه انبسط الدم وسار في الجسد وتغير اللون، أما إن كان معه يأس في الانتقام انقبض الدم من ظاهر الجلد إلى جوف القلب، فيصفر لونه، أما إن كان مترددا في القدرة على الانتقام تردد الدم بين انقباض وانبساط فيحمر ويصفر ويضطرب( ).
المبحث الثاني
( مصدر هذا المبحث بحث منشور علي النت بعنوان الغضب)
بيان أنواع الغضب وآثاره وعلاجه
• المبحث الأول: أنواعه
الغضب نوعان: محمود ومذموم، فالمحمود ما كان في جانب الحق والدين والمذموم ما كان في غيرهما( )، وهذا ما سنوضحه من خلال المطلبين التاليين:
المطلب الأول: الغضب المحمود:
يكون الغضب محمودا في بعض الأمور، منها:
- أن يغضب المسلم عند انتهاك محارم الله، أو تضييع أوامره، وارتكاب نواهيه، وقد جاءت أحاديث كثيرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثبت فيها غضبه على بعض الأمور المخالفة لشرع الله، ومن هذه الأحاديث ما رواه الإمام أحمد في مسنده من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسجد فرآهم عزيز متفرقين، قال فغضب النبي صلى الله عليه وسلم غضبا شديدا ما رأيناه غضب غضبا أشد منه، قال: «والله لقد هممت آن آمر رجلا يؤم الناس، ثم اتتبع هؤلاء الذي يتخلفون عن الصلاة في دورهم فأحرقها عليهم....» ( ). فهذا الغضب صدر منه صلى الله عليه وسلم لما رأى من مخالفة أمر الله، لأن الله عز وجل أمر بالصلاة جماعة لقوله سبحانه: ﴿ وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين﴾( ). ومن ذلك أيضا ما رواه الإمام البخاري في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها قالت: دخل علي النبي صلى الله عليه وسلم وفي البيت قرام فيه صور فتلون وجهه ثم تناول الستر فهتكه، وقالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن من أشد الناس عذابا يوم القيامة الذين يصورون هذه الصور»( ).
- الغضب في الجهاد: وهذا الموقف يستدعي الغضب والشدة، ولا يجوز فيه الرفق واللين، لقوله تعالى: ﴿يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم﴾( ).
- الغضب في الخطبة يجوز للخطيب أن يغضب في خطبته وذلك لتحذير الناس من عذاب الله، وتخويفهم حتى يجتنبوا ما نهاهم الله عنه، وقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، فيما رواه البخاري في صحيحه من حديث جابر بن عبد الله، قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه كأنه منذر جيش...»( ).
- ويحمد الغضب أيضا إذا كان من أجل الغيرة، وهذه الغيرة يمكن أن تكون في جانب الدين أو العرض:
*أما في جانب الدين: فتكون إذا استهزئ بالله أو بأحد من رسله أو بدينه، ومن المثال على ذلك ما ذكر الإمام بن كثير في تفسيره لقوله تعالى في سورة المنافقون: ﴿ يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل﴾( ).
«أن عبد الله بن عبد الله بن أبي لما بلغه ما كان من أمر أبيه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إنه بلغني أنك تريد قتل عبد الله بن أبي فيما بلغك عنه، فإن كنت فاعلا فمرني به، فأنا أحمل إليك رأسه...» ( ).
* أما في جانب العرض: فالغضب يكون إذا اعتدى إنسان على عرض آخر فتأخذ الغيرة، فيغضب لأجل ذلك.
ويمكن إجمال الغضب المحمود في ما كان في جانب الحق والدين، أما ما كان في غير الدين والباطل، فهو مذموم، وهذا ما سنتعرف عليه من خلال المطلب التالي.
المطلب الثاني: الغضب المذموم
وهو ما كان لخظ النفس، ولم يكن في الدين، كالغضب من أجل فوات شيء من الدنيا، فيفرج إذا أتاه الخير، ويغضب ويجزع إذا أتاه الشر، يقول الله عز وجل:﴿إن الإنسان خلق هلوعا إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا﴾( )، فإذا أصابه فقر أو مرض أو ذهب عنه محبوب، غضب ولم يرضى بما قضاه الله عز وجل، وقدره، ولم يكن كالذين قال الله فيهم: ﴿وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون﴾( ).
وقد وردت آيات وأحاديث تحذر من الغضب، منها ما ذكره الإمام البخاري في صحيحه، في كتاب الأدب، باب الحذر من الغضب، فقد استدل على هذا الباب بآيتين وحديثين: والآيتان هما: قوله عز وجل: ﴿والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش، وإذا ما غضبوا هم يغفرون﴾( )، وقوله تعالى: ﴿الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس﴾ ( ).
أما الحديثان فهما: قوله صلى الله عليه وسلم: «ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب»، وقوله للرجل الذي طلب منه الوصية: «لا تغضب»( ).
فالآيتان الأولى والثانية دلتا على فضيلة كظم الغيظ، والعفو عن الناس في حال الغضب وأنها من صفات المؤمنين الذين استجابوا لله أما من غضب فأنفذ غضبه، ولم يكظمه فإنه ليس بمؤمن حقا، لأنه لم يستجب لربه حين دعاه إلى العفو وكظم الغيظ.
وهذا الغضب الذي دعا الله عباده إلى اجتنابه وكظمه، هو ما كان للنفس ولم يكن في الدين، فقد سبق وأن ذكرنا أن الغضب في جانب الدين محمود وجائز.
وقد جاءت أحاديث وآثار كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن صحابته تدل دلالة واضحة على استجابتهم لله عز وجل، بكظمهم الغيظ وعفوهم عن الناس، إذا كان الأمر يتعلق بحظ النفس وسأذكر مثالان على ذلك، أحدهما عن أبي بكر رضي الله عنه، والثاني عن الفاروق عمر ابن الخطاب رضي الله عنه:
1- روى البخاري في صحيحه، أن أبا بكر رضي الله عنه كان ينفق على شخص يسمى مسطح، فلما وقعت حادثة الإفك قال: والله لا أنفق على مسطح شيئا بعد الذي قال لعائشة، فأنزل الله: ﴿ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة أن يوتوا أولي القربى﴾( )، الآية، فقال أبو بكر: بلى والله إني لأحب أن يغفر الله لي فرجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه وقال: والله لا أنزعها عنه أبدا( ).
2- عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قدم عينية بن حصن بن حذيفة فنزل على ابن أخيه الحر بن قيس وكان من النفر الذين يدنيهم عمر وكان القراء أصحاب مجالس عمر ومشاورته كهولا كانوا أو شبانا فقال عينية لابن أخيه: يا ابن أخي هل لك وجه عند هذا الأمير فاستأذن لي عليه قال: سأستأذن لك عليه قال ابن عباس: فاستأذن الحر لعينية فأذن له عمر فلما دخل عليه قال: هي يا ابن الخطاب فو الله ما تعطينا الجزل ولا تحكم بيننا بالعدل فغضب عمر حتى هم به فقال له الحر: يا أمير المؤمنين إن الله تعالى قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: «خذ العفو وأمر بالعرف واعرض عن الجاهلين»( )، وإن هذا من الجاهلين، والله ما جاوزها عمر حين تلاها عليه وكان وقافا عند كتاب الله( ).
إذن نفهم من خلال ما سبق ذكره أن الغضب الذي يكون للنفس يجب على المرء التخلي عنه وكظمه، لما قد يترتب عنه من عواقب وخيمة، فهو يجمع الشر كله، يقول العلامة أبن الملقن في معرض حديثه عن حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تغضب»( )، «هذا الحديث تضمن دفع أكبر شرور الإنسان، لأن الشخص في حال حياته بين لذة وألم، فاللذة سببها ثوران الشهوة، أكلا وشربا وجماعا ونحو ذلك، والألم سببه ثوران الغضب، فإذا اجتنبه اندفع عنه نصف الشر، بل أكثره، ولهذا لما تجردت الملائكة عليهم السلام- عن الغضب والشهوة تجردوا عن جميع الشرور البشرية»( ).
وقد أعد الله عز وجل لمن كظم الغيظ ثوابا جزيلا، وجزاء عظيما كما جاء في الحديث: «من كظم غيظا وهو قادر على أن ينفذه دعاه الله على رؤوس الخلائق يوم القيامة حتى يخيره من أي الحورشاء»( ).
المبحث الثالث
اضرار الغضب
المطلب الاول
اضرار الغضب علي الفرد
الغضب وآثاره السلبية .... يقول الدكتور أحمد شوقي ابراهيم عضوالجمعية الطبية الملكية بلندن واستشاري الامراض الباطنية والقلب .. أن الميول الانسانية تنقسم الى أربعة أقسام , ويختلف سلوك وتصرفات الاشخاص باختلاف هذه الميول ومدى السيطرة عليها : الميول الشهوانية وتؤدي الى الثورة والغضب .. الميول التسلطية وتؤدي الى الكبر والغطرسة وحب الرياسة .. الميول الشيطانية وتسبب الكراهية والبغضاء للاخرين . ومهما كانت ميول الانسان فانه يتعرض للغضب فيتحفز الجسم ويرتفع ضغط الدم فيصاب بالامراض النفسية والبدنية مثل السكر والذبحة الصدرية . وقد أكدت الابحاث العلمية أن الغضب وتكراره يقلل من عمر الانسان . لهذا ينصح الرسول صلى الله عليه وسلم المسلمين في حديثه لا تغضب وليس معنى هذا عدم الغضب تماما بل عدم التمادي فيه انتهى.
حقا للغضب كثيرٌ من المضار العظيمة التي تمتد لتشمل جميع جوانب الحياة الفردية ، والاجتماعية ، والجسمية ، والنفسية ، والفكرية والتي تؤكد جميعها أن الغضب مفتاح الشرور لأنه يجمع الشر كله كما أشار إلى ذلك أحد عُلماء السلف بقوله : " إن الغضب جماع الشر ، وإن التحرُّز (التوقي) منه جماع الخير .
فمن مضاره الفردية
أنه يُفقد الإنسان صوابه ، ويسلبه عقله ، ويدفعه إلى السب ، والشتم ، والسخرية ، والتلفظ بالألفاظ البذيئة وغير المؤدبة التي قد تُسبب له الحسرة والندامة فيما بعد ، وقد تُسقطه من أعين الناس ؛ إضافةً إلى ما قد يقوم به الإنسان حين غضبه من التصرفات الطائشة البعيدة عن الحكمة ، والمُجانبة للصواب . وهو ما يُشير إليه أحد كبار الكُتاب بقوله : " الإنسان مخلوقٌ متميز ، فيه شيء من الملائكة ، و شيءٌ من الشياطين ، و شيءٌ من البهائم والوحوش ؛ فإذا عصف به الغضب ، أوتر أعصابه ، وألهب دمه ، وشد عضلاته ، فلم يعد له أُمنيةً إلا أن يتمكن من خصمه فيعضه بأسنانه ، و يُنشب فيه أظفاره ، ويُطبق على عنقه بأصابعه ، فيخنقه خنقاً ، ثم يدعسه دعساً ، غلبت عليه في هذه الحال الصفة الوحشية ، فلم يبق بينه وبين النمر والفهد كبير فرق.
ومن مضار الغضب الاجتماعية
أنه " يوَّلد الحقد في القلوب ، وإضمار السوء للناس ، وهذا ربما أدى إلى إيذاء المسلمين وهجرهم ، ومزيد الشماتة بهم عند المصيبة ، وهكذا تثور العداوة والبغضاء بين الأصدقاء ، وتنقطع الصلة بين الأقرباء ، فتفسد الحياة وتنهار المجتمعات " .
أما مضاره الجسمية و النفسية فكثيرةٌ جداً حيث " ثبت علمياً أن الغضب كصورةٍ من صور الانفعال النفسي يؤثر على قلب الشخص الذي يغضب تأثيراً يُماثل تمامًا تأثير العدْو أو الجري في إجهاده للقلب لا يستمر طويلاً ؛ لأن المرء يُمكن أن يتوقف عن الجري إن هو أراد ذلك " .
كما أشارت بعض الدراسات إلى أن للغضب العديد من المضار الجسمية على صحة وسلامة الإنسان التي منها التعرض لارتفاع ضغط الدم ، واحتمال الإصابة بالأزمات القلبية نتيجة التوتر الشديد الذي يُصاب به الإنسان الغاضب الذي يتعرض " لتغير لونه ، وطفح دمه ، وانتفاخ أوداجه ، وارتعاد أطرافه ، واضطراب حركته ، وتلجلج كلامه "
وليس هذا فحسب ؛ فهناك بعض المضار الأُخرى التي ربما أودت بحياة الإنسان حيث يمكن أن تؤدي " شدة الغضب والانفعال إلى سرعة خفقان القلب أو انفجار شرايين المخ ، أو الإصابة بالجلطة القلبية إذا كان الغاضب يشكو من ضعفٍ في القلب " .
وللغضب تأثيراتٌ سيئة على الجانب الفكري عند الإنسان إذ إن " الانفعال الشديد يُعطل التفكير ، ويُصبح الإنسان غير قادرٍ على التفكير السليم أو إصدار القرارات السليمة ، وبذلك يفقد الإنسان أهم وظائفه التي يتميز بها وهي الاتزان العقلي "
وهذا معناه أن الإنسان الغاضب غير قادرٍ - في الغالب - على ضبط نفسه ، والتحكّم في تصرفاته نتيجةً لقوة غضبه ، وشدة انفعاله ، التي تحول دون ضبطه لنفسه والتحكم في تصرفاته ، وتدعوه في الغالب إلى المواجهة أو الانتقام أو نحو ذلك من الأقوال أو الأفعال*(
من صور الإعجاز التربوي النبوي ..الوصية النبويَّة " لا ..تغضب "
الدكتور صالح بن علي أبو عرَّاد
أستاذ التربية الإسلامية بكلية المعلمين في أبها
ومدير مركز البحوث التربوية))
مَوَانِعُ الْغَضَبِ -( كتاب : لا تغضب
إعداد: أبو أحمد، محمد بن أحمد بن محمد العماري)
الْمَانِعُ الأَوَّلُ: الْعِلْمُ بِأَنَّ عِزَّ الْنَفْسِ في ذُلِّهَا، فَمَنْ نَصَرَهَا أَذَلَّهَا، وَمَنْ أَذَلَّهَا أَعَزَّهَا.
عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - (مَا نِيْلَ مِنْهُ شَيءٌ فَانْتَقَمَ لِنَفْسِهِ). رواه مسلم (1).
قُلْتُ: فَقَدْ نَالُوهُ بِالأَقْوَالِ وَالأَفْعَال؛ فَلَمْ تَزِدْهُ إِلاَ صَبْراً وَاحْتِمَالاً؛ فَكَانَ - صلى الله عليه وسلم - كَعُوْدٍ زَادَهُ الإحْرَاقُ طِيْباً.
قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِي رَحِمَهُ الله: ُ مَا أَعَزَّ الإنْسَانَ نَفْسَهُ بِمِثْلِ ذُلِهَا.
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ: - صلى الله عليه وسلم - (مَا زَادَ الله ُ عَبْدَاً بِعَفْوٍ إلا عِزَّاً) رواه مسلم وتفرد به (2).
قُلْتُ: وَفِي الْعَفْوِ إِذْلاَلُهَا، وَبِهِ إِعْزَازُهَا،
وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ - رضي الله عنه -:
وَكَانَتْ عَلَى الأَيَامِ نَفْسِي عَزِيْزَةً ... فَلَمَّا رَأَتْ صَبْرِي عَلَى الْذِّلِ ذَلَّتِ
الْمَانِعُ الْثَّانِي: الْحِلْمُ.
سُئِلَ الأَحْنَفُ بْنُ قَيْسٍ عَنْ الْحِلْمِ فَقَالَ: هُوَ الْذُّلُ يَا بْنَ أَخِي أَتَصْبِرُ عَلَيْهِ
وَقَالَ لُقْمَانُ الْحَكِيْمُ: ثَلاَثَةٌ لاَ تَعْرِفُهُمْ إِلاَّ فِي ثَلاَثَةٍ؛ لاَ تَعْرِفُ الْحَلِيْمَ إلا عِنْدَ الْغَضَبِ، وَلاَ الْشُّجَاعَ إلا عِنْدَ الْحَرَبِ، وَلاَ أَخَاكَ إلا إِذَا احْتَجْتَ إليهِ.
وَقَدْ قِيْل:
مَنْ يَدَّعِى الْحِلْمَ أَغْضِبْهُ لِتَعْرَفَهُ لاَ يُعْرَفُ الْحِلْمُ إلا سَاعَةَ الْغَضَبِ
وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِي: الْمُؤْمِنُ حَلِيْمٌ لاَ يَجْهَلُ وَإِنْ جُهِلَ عَلَيْهِ. وَتَلاَ قَوْلَهُ تعالى {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً} الفرقان63
وَقالَ علىُّ بْنُ أبي طالبٍ - رضي الله عنه - أَوُّلُ عِوَضٍ للحَلِيْم ِعَلَى حِلْمِهِ؛ أَنَّ الْنَّاسَ أَنْصَارُهُ.
_(1) مسلم برقم2327ج4ص1813 باب مباعدته للآثام
(2) سبق تخريجه.
الْمَانعُِ الْثَّالِثُ: الْتَّحَلُّمُ بِمُخَالَطَةِ مَنْ كَانَ حَلِيْماً لِيَتَعَلَّمَ.
قِيْلَ: للأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ مِمَنْ تَعَلَّمْتَ الْحِلْمَ قَالَ: مِنْ قَيْسِ بْنِ عَاصِمِ الْمَنْقِري، رَأَيْتُهُ قَاعِداً بِفِنَاءِ دَارِهِ مُحْتَبِياً بِحَمَائِلِ سَيْفِهِ يُحَدِّثُ قَوْمَهُ حَتَى أُتِيَ بِرَجُلٍ مَكْتُوْفٍ , وَرَجُلٍ مَقْتُوْلٍ. فَقِيْلَ لَهُ: هذا ابْنُ أَخيكَ قَتَلَ ابْنَكَ. فو اللهِ ما حلَّ حَبْوَتَهُ , ولا قَطَعَ كَلاَمَهُ , ثُمَّ الْتَفَتَ إلى ابْنِ أخيهِ وقالَ: يابْنَ أخي أَثِمْتَ بِرَبِّكَ, ورمَيْتَ نَفْسَكَ بِسَهْمِكَ , وقَتَلْتَ ابْنَ عَمِّكَ. ثُمَّ قَالَ لابْنٍ لَهُ آخَرَ: قُمْ فوارِ أخاكَ، وحُلَّ كِتَافَ ابْنِ عَمِّكَ، وسُقْ إلى أُمِّهِ مِئَةَ ناقةٍ فإنِّها غَرِيْبَةٌ.
وَقَالَ الأحْنَفُ: لَسْتُ حَلِيْماً؛ ولكنِّي أتَحَالَمُ.
وَقاَلَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: إذا لَمْ تَكُنْ حَلِيْماً فَتَحَلَّمْ. فَقَلَّمَا تَشَبَّهَ رَجُلٌ بِقَوْمٍ إلا كَانَ مِنْهُمْ.
الْمَانِعُ الْرَّابِعُ: تَذَكُّرُ كَرَاهَةِ الْنَّاسِ لَهُ.
قُلْتُ: فَمَا اسْتُجْلِبَ الْبُغْضُ وَالْكَرَاهَةِ؛ بِمِثْلِ الْغَضَبِ والْحَمَاقَةِ؛ فَالْغَضْبَانُ أَبْغَضُ إِنْسَان؛ لأَنَّهُ يَظْلِمُ مَنْ خَالَطَهُ، وَيَتَعَدَّى على مَنْ هُوَ دُوْنَهُ، وَيَتَطَاوَلُ على مَنْ هُوَ فَوْقَهُ، وَيَتَكَلَّمُ بِغَيْرِ تَمْييزٍ، كَثِيْرُ الْكَلاَمِ، سَرِيْعُ الْجَوَابِ، يَنْهَى عَنِ الْشَّيءِ وَيَأْتِيْهِ، وَيَفْخَرُ بِمَا لَيْسَ فِيْهِ، لاَ يَصْفَحُ عَنِ الْزَّلاَّتِ، وَلاَ يَعْفُو عَنِ الْهَفَوَاتِ، يُبْغِضُهُ الأَقْرِبَاء قَبْلَ الْبُعَدَاء، مَنْ خَالَطَهُ لَعَنَهُ، وَمَنْ سَمِعَ بِهِ أَبْغَضَهُ؛ فَلَو تَصَوَّرَ الإنْسَانُ ذَالِكَ لَتَرَكَ الْغَضَبَ هُنَالِكَ، فَأَتْعَسُ إنْسَان مُعَاشِرُ الْغَضْبَان؛ لأَنَّ الغَضْبَانَ كَالنَّارِ تُحْرِقُ مَنْ بِالْجِوَارِ؛ فَمَا فَرِحَتْ الْزَّوْجَةُ مِنْ سَيِّيءِ الأَخْلاَقِ بِمِثْلِ الطَلاَقِ.
طَلَقَ رَجُلٌ زَوْجَتَهُ فَقَالَ: كُنْتِ ثُمَّ بِنْتِ، فَقَالَتْ: واللهِ مَا فَرِحْنَا يومَ كُنَّا، وَلانَدِمْنَا يومَ بِنَّا، فَنَدِمَ. وأَكْثَرَتْ امْرَأَةٌ الْغَضَبَ عَلَى زَوْجِهَا؛ فأَخَرَجَ عَقْدَ الْنِّكَاحِ؛ فَأَخَذَ يَبْحَثُ فيهِ، فَقَالَتْ: عَنْ أَيِّ شَيءٍ تَبْحَثُ؟ قَالَ: عَنْ تَارِيخِ الانْتِهَاء.
والولَدُ يَفْرَحُ بِالبُلُوغِ والرُّشْدِ، ليخرجَ مِنَ القَيْدِ والشَّدِّ، والموظفُ يَفْرَحُ بِفَصْلِهِ وَنَقْلِهِ، لِيَرْتاحَ مِنْ شَرِّهِ، بخلافِ مَنْ لا يَغْضَبُ؛ فالكُلُّ فيهِ يَرْغَبُ؛ فَالْزَّوْجَةُ إِنْ مَاتَ أَوْ طَلَّقَ بَقْيَتْ عَلَيْهِ تُحَلِّقُ، وَالْوَلَدُ يَرْشُدُ وعَنْهُ لا يَصُدُّ، وَالْمُوَظَّفُ فِي رَاحَه مَادَامَ مَوْجُوْدَاً صَرَاحَه؛ وَمَاذَاكَ إِلاَّ لِتَرْكِ الْغَضَبِ هُنَاكَ؛ فَإِنْ عَاتَبَ عَاتَبَ فِي لِيْنٍ إِنْ لَمْ يَعْفُ وَيَسْتُرْ، وَإِنْ عَاقَبَ كَانَ عَلَى قَدْرِ الْذَنَّبِ إِنْ لَمْ يَغْفِرْ.
كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيْزِ: إِلَى أَحَدِ عُمَّالِهِ؛ لاَ تُعَاقِبْ وَأَنْتَ غَضْبَان؛ وَلَكِنِ احْبِسْهُ حَتَّى يَذْهَبَ الْغَضَبُ؛ ثُمَّ عَاقِبْهُ عَلَى قَدْرِ ذنْبِهِ.
الْمَانِعُ الْخَامِسُ: تَذَكُّرُ نِهَايةِ الْغَضَبِ؛ مِنْ القَتْلِ وَالْسِّجْنِ، وَالْنَّدَمِ والْحُزْنِ.
فَإِنْ طَلَّق؛ نَدِمَ كَالْفَرَزْق.
نَدِمْتُ نَدَامَةَ الْكَسْعِي لَمَّا ... غَدَتْ مِنِّي مُطَلَقَةً نَوَارُ
وَكَانَتْ جَنَّتِي فَخَرَجْتُ مِنْهَا ... كَآدَمَ حِيْنَ أَخْرَجَهُ الْضِّرَارُ
وَإِنْ ضَرَبَ الأَشْخَاص؛ نَدِمَ مِنَ الاقْتِصَاص. قَالَ تَعَالَى {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (المائدة45).
فَإِنْ سَلِمَ فِي الْدُّنْيَا؛ قَدْ لاَ يَسْلَمُ فِي الأُخْرَى.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: (لَتُؤَدَّنَّ الْحُقُوْقُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلى أَهْلِهَا حَتَى يُقَادَ للشَّاةِ الْجَلْحَاءِ مِنَ الْشَّاةِ الْقَرْنَاءِ) تَفَرَّدَ بِهِ مُسْلِم (1)
وَإِنْ قَتَلَ نَدِمَ مِنَ الْمِثْلِ. قَالَ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} (البقرة178)
وَمَنْ سَلِمَ فِي الْدُّنْيَا قَدْ لاَ يَسْلَمُ فِي الأُخْرَى. قَالَ تَعَالَى: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً} (النساء93).
الْمَانِعُ الْسَّادِسُ: تَذَكُّرُ آثَارِ الْغَضَبِ.
آثَارُ الْغَضَبِ الْظَّاهِرَةُ: تَغَيُّرُ اللَّوْنِ، شِدَّةُ رِعْدَةِ الأطْرَافِ، خُرُوْجُ الأَفْعَالِ عَنِ الْتَّرْتِيْبِ وَالْنِّظَامِ، اضْطِرَابُ الْحَرَكَةِ وَالْكَلاَمِ، خُرُوْجُ الْزَّبَدِ مِنْ شِدْقَيْهِ، انْتِفَاخُ الأَوْدَاجِ، احْمِرَارُ الْوَجْهِ، وتَقَلُّبُ الْمَنَاخِرِ؛ فَلَوْ رَأَى الْغَضْبَانُ نَفَسَهُ؛ لَسَكَنَ غَضَبُهُ حَيَاءً مِنْ قُبْحِ صُورَتِهِ، وتَغَيُّرِ خِلْقَتِهِ.
آثَارُ الْغَضَبِ الْبَاطِنَةُ: فَالْظَّاهِرُ عُنْوَانُ الْبَاطِنِ؛ فَقُبْحُ الْظَّاهِرِ يَدُلُّ عَلَى قُبْح ِ الْبَاطِنِ.
آثَارُ الْغَضَبِ عَلَى الْقَلْب: الْحِقْدُ، وَالحَسَدُ، وَالْحُزْنُ، وَإِضْمَارُ الْسُّوءِ للمَغْضُوبِ عَلَيْهِ.
آثَارُ الْغَضَبِ عَلَى اللِّسَانِ: الْسَّبُّ، وَالْشَّتْمُ، وَالْفُحْشُ فِي الْقَوْلِ، وَالْشَّمَاتَةُ، وَالْتَّعْييرُ،
وَالاسْتِهْزَاءُ، وَالْغِيْبَةُ، وَإِفْشَاءُ الْسِّرِّ، وَهَتْكُ الْسِّتْرِ عَنِ الْمَغْضُوْبِ عَلَيْهِ.
__________
(1) صحيح مسلم رقم 2582ج4ص1997باب تحريم الظلم.
المبحث الرابع
علاج الغضب
العلاج
•اكسر دائرة الغضب
(المؤثر او الشخص الذي اغضبك – زيادة دقات القلب – توقف التفكير و تحكم الغضب)
و يكون كسر دائرة الغضب بالاستعاذة او الوضوه او الصمت او ذكر الله و قراءه القرأن او تدبر عاقبة الغضب
و يحذر من اتخاذ اي اجراء في حاله الغضب و في بعض المؤسسات يتم معاقبة من يتقدم بشكوى قبل مرور 24 ساعة
•الاستعاذة
قال معاذ بن جبل - رضي الله عنه - :: « اسْتَبَّ رجلان عند النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-، حتى عُرِفَ الغضب في وجه أحدهما ، فقال النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- : إِني لأعلمُ كلمة لو قالها لذهب غَضَبُه : أعوذُ باللهِ من الشيطانِ الرجيم ».
•الوضوء
قَالَ أَبُو وَائِلٍ - صَنْعَانِىٌّ مُرَادِىٌّ - قَالَ كُنَّا جُلُوساً عِنْدَ عُرْوَةَ بْنِ مُحَمَّدٍ - قَالَ - إِذْ دَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ فَكَلَّمَهُ بِكَلاَمٍ أَغْضَبَهُ - قَالَ - فَلَمَّا أَنْ غَضِبَ قَامَ ثُمَّ عَادَ إِلَيْنَا وَقَدْ تَوَضَّأَ فَقَالَ حَدَّثَنِى أَبِى عَنْ جَدِّى عَطِيَّةَ - وَقَدْ كَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ الْغَضَبَ مِنَ الشَّيْطَانِ وَإِنَّ الشَّيْطَانَ خُلِقَ مِنَ النَّارِ وَإِنَّمَا تُطْفَأُ النَّارُ بِالْمَاءِ فَإِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَوَضَّأْ ».
•السكوت
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ « عَلِّمُوا وَيَسِّرُوا وَلاَ تُعَسِّرُوا وَإِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْكُتْ ».
•الجلوس
و قال الرسول :"أَلا وإن الغضب جَمْرَة في قلب ابن آدم. أما رأيتم إِلى حُمْرَة عينيه ، وانتفاخ أوداجه؟ فمن أحسّ بشيء من ذلك فَلْيَلْصَقْ بالأرض."
•تدبر عاقبة كظم الغيظ
قال رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم-: « مَن كظم غيظا - وهو يستطيع أن يُنفِّذه - دعاه الله يوم القيامة على رؤوس الخلائق، حتى يخيِّرَه من أي الحُور شاء »
الحلم
أنظر الى حلم سيدنا هود **قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (66) قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (67) }الاعراف
أنظر اليه كيف لم يواجه كلامهم بمثله و ترفع عن تبادل الاتهامات و هذا شأن الاكابر
وَتَعْظُمُ في عَينِ الصّغيرِ صغارُها وَتَصْغُرُ في عَين العَظيمِ العَظائِمُ
وقال رجل من كلب للحكم بن عوانة: إنما أنت عبد فقال: والله لأعطينك عطية ما تعطيها العبيد! فأعطاه مائة رأس من السبي.
ومن أمثال العرب: احلم تسد.
ويروى أن هشاماً غضب على رجل من أشراف الناس، فشتمه فوبخه الرجل وقال له: أما تستحي أن تشتمني وأنت خليفة الله في أرضه؟ فأطرق هشام واستحى وقال له: اقتص! فقال: أنا إذاً سفيه مثلك! قال: فخذ عن ذلك عوضاً من المال. قال: ما كنت لأفعل! قال: فهبها لله. قال: هي لله ثم لك! فنكس هشام رأسه وقال: والله لا أعود لمثلها. قال الشاعر:
لن يبلغ المجد أقوام وإن شرفوا حتى يذلوا وإن عزوا لأقوام
ويشتموا فترى الألوان مسفرة لا صفح ذل ولكن صفح إكرام
و استطال رجل على علي بن الحسين فتغافل عنه، فقال له الرجل: إياك أعني، فقال له علي بن الحسين رضي الله عنه: وعنك أغضي.
. وكان مسلم بن نوفل سيد بني كنانة قد ضربه رجل من قومه بسيفه فأخذ فأتى به إليه فقال له: ما الذي فعلت أما خشيت انتقامي؟ قال: لا. قال: فلم؟ قال: ما سودناك إلا أن تكظم الغيظ وتعفو عن الجاني، وتحلم على الجاهل وتحتمل المكروه في النفس والمال، فخلى سبيله.
تزيد سفاهه فأزيد حلما كعودا زاده الاحراق طيبا
وقال رجل لعمرو بن العاص رضي الله عنه: والله لأتفرغن لك! فقال له: الآن وقعت في الشغل
من لي بأنسان كلما أغضبته و جهلت كان الحلم رد جوابه
و تراه يصغي للحديث بقلبه و بــسمـعه و لعــلـه أدرى به
ومر المسيح عليه السلام على قوم من اليهود فقالوا شراً فقال لهم خيراً، فقيل له: إنهم يقولون شراً وأنت تقول لهم خيراً! فقال: كل ينفق مما عنده.
وقال أكثم بن صيفي: من حلم ساد ومن تفهم ازداد، وكفر النعمة لؤم وصحبة الجاهل شؤم، ولقاء الإخوان غنم والمباشرة يمن، ومن الفساد إضاعة الزاد.
وسب رجل الشعبي بقبائح نسبها إليه، فقال الشعبي: إن كنت كاذباً فغفر الله لك، وإن كنت صادقاً فغفر الله لي! وقال رجل لأبي بكر الصديق رضي الله عنه: لأسبنك سباً يدخل معك في قبرك! فقال أبو بكر: معك يدخل لا معي! وقال رجل للأحنف بن قيس: إن قلت لي كلمة لتسمعن عشرة! فقال له الأحنف: لكنك لو قلت لي عشراً لم تسمع مني واحدة. وروي أن رجلاً سب الأحنف وهو يماشيه في الطريق، فلما قرب من المنزل وقف الأحنف وقال: يا هذا إن كان بقي معك شيء فقله ههنا، فإني أخاف أن يسمعك فتيان الحي فيؤذوك. وسب رجل بعض الحكماء، فقال له الحكيم: لست أدخل في حرب الغالب فيه شر من المغلوب.
وقيل للأحنف بن قيس: ممن تعلمت الحلم؟ قال: من قيس بن عاصم، قيل: فما بلغ من حلمه؟ قال: بينما هو جالس في داره إذ أتته خادمة له بسفود عليه شواء فسقط السفود من يدها على ابن فعقره فمات، فدهشت الجارية، فقال: ليس يسكن روع هذه الجارية إلا العتق فقال لها: أنت حرة لا بأس عليك. وكان عون بن عبد الله إذا عصاه غلامه قال: ما أشبهك بمولاك؟مولاك يعصي مولاه وأنت تعصي مولاك، فأغضبه يوماً فقال: إنما تريد أن أضربك اذهب فأنت حر. وكان عند ميمون بن مهران ضيف فاستعجل على جاريته بالعشاء فجاءت مسرعة ومعها قصعة مملوءة، فعثرت وأراقتها على رأس سيدها ميمون؛ فقال: يا جارية أحرقتني، قالت: يا معلم الخير ومؤدب الناس ارجع إلى ما قال الله تعالى قال: وما قال الله تعالى؟ قلت: قال: " والكاظمين الغيظ " قال: قد كظمت غيظي، قالت: " والعافين عن الناس " قال: قد عفوت عنك، قالت: زد فإن الله تعالى يقول: " والله يحب المحسنين " قال: أنت حرة لوجه الله تعالى. وقال ابن المنكدر: إن رجلاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب عبداً له فجعل العبد يقول: أسألك بالله أسألك بوجه الله، فلم يعفه فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم صياح العبد فانطلق إليه، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه سلم: أمسك يده فقال رسول الله: " سألك بوجه الله فلم تعفه فلما رأيتني أمسكت يدك " قال: فإنه حر لوجه الله يا رسول الله، فقال: " لو لم تفعل لسفعت وجهك النار "
اذا ركلك الناس فإعلم انك في المقدمة
ألا إن حلم المرء أكرم نسبة ......... تسامى بها عند الفخار حليم
فيا رب هب لي منك حلما فإنني..... أرى الحلم لم يندم عليه كريم
أحب مكارم الأخلاق جهدي....... وأكره أن أعيب وأن أعابا
وأصفح عن سباب الناس حلما...... وشر الناس من يهوى السبابا
ومن هاب الرجال تهيبوه............ ومن حقر الرجال فلن يهابا